المملكة الادبية
أهلاوسهلا بك زائرنا الكريم في رحاب المملكة الأدبية
إدا كانت هذه زيارتك الأولى لمملكتنا يشرفنا أن تقوم بالتسجيل
اما أدا كنت أحد أعضاءنا الكرام فتفضل بالتسجيل الدخول
لو رغبت بقراءة فتفضل بزيارة القسم الذي ترغبه

المملكة الادبية
أهلاوسهلا بك زائرنا الكريم في رحاب المملكة الأدبية
إدا كانت هذه زيارتك الأولى لمملكتنا يشرفنا أن تقوم بالتسجيل
اما أدا كنت أحد أعضاءنا الكرام فتفضل بالتسجيل الدخول
لو رغبت بقراءة فتفضل بزيارة القسم الذي ترغبه

المملكة الادبية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى تختاره الحروف بدلا من ان يختارها
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  الأثر اللساني في الدراسات الأدبية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أيوب الزياني
المديرالعام
المديرالعام
أيوب الزياني


عدد المساهمات : 960
نقاط : 2750
تاريخ التسجيل : 18/11/2009
الموقع : المملكة الأدبية

 الأثر اللساني في الدراسات الأدبية	 Empty
مُساهمةموضوع: الأثر اللساني في الدراسات الأدبية     الأثر اللساني في الدراسات الأدبية	 Icon_minitimeالإثنين 11 أبريل - 5:18

الأثر اللساني في الدراسات الأدبية

استهلال :
لا أحد يمكنه أن يتجاهل تلك العلاقة الجدلية التي تصل الأديب بمحيطه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي العام الذي ينتمي إليه " فالأدب مؤسسة اجتماعية ، أداته اللغة وهي من خلود المجتمع .. أضف إلى ذلك أن الأدب يمثل الحياة في أوسع مقاييسها حقيقة اجتماعية واقعة . فالشاعر نفسه عضو في مجتمع منغمس في وضع اجتماعي معين ويتلقى نوعا من الاعتراف الاجتماعي والمكافأة كما أنه يخاطب جمهورا مهما كان افتراضيا " 1، غير أن الإشكال يطرح حين نود رسم الحدود الفاصلة بين المجالين معا ، مجال المنتج ( الأديب ) ، ومجال المحيط أو ( المناخ ) الذي ساهم في إبراز هذا الأديب .
لقد تعددت الإجابات وتنوعت زوايا النظر إلى هذه العلاقة . إلا أن اللافت للنظر هو تلك الهيمنة الملحوظة لمناهج وأساليب تحليل الظاهرة الأدبية من منظور خارجي ، امتدت ملامحها إلى فترات غير بعيدة نسبيا مقارنة بما يعرف الآن بالمناهج ( الحديثة) 2.
إلا أنه – وأمام هذا التمادي في إسقاط عوامل خارجية على الأدب وتفسيره انطلاقا من البنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية – ظهرت مناهج أخرى ، حاولت أن تعيد الاعتبار لمكانة الظاهرة الأدبية ، وذلك بالـــتـخــلي عـــن دراستها وتحليلها من منطلقات الواقــع وإفـرازاته ، لتنطلق مـع تـــعامل خاص مع الأدب ، أساسه ( النص ) وهـذا ما يعــرف بالمناهج ( الداخلية ) .
وقد كان لظهور اللسانيات ( linguistique) بوصفها الدراسة العلمية للغة الأثر الأكبر في شيوع هذا النوع من المناهج التي تتناول الأثر الأدبي من داخله أو كما يقول المنظر الأكبر للسانيات ( دوسوسير ) : " اللسانيات هي دراسة اللسان في ذاته ولذاته " 3 ذلك أن ( اللغة ) هي الموضوع الأساس الذي ينطلق منه المحلل لكشف ماهية وطبيعة ووظيفة النص ، انطلاقة من هذا الرؤية الخاصة للغة ، في حين نجد أن تشومسكي يركز على المنحى العقلاني حيث اللغة ملكة فطرية منظمة ومتميزة أي أنها استعداد فطري يولد مع الإنسان ويتطور تبعا لنوع الظروف ، لتخرج في الأخير من حال الكمون إلى حال التحقق من هنا نجد شومسكي يتحدث عن مفاهيم خاصة مثل : ( القدرة – الكفاءة – الإنجاز – الإرادة ) إلى غيرها من
المفاهيم المرتبطة بإنجاز اللغة 1 .
وتظهر أهمية هذا العلم الجديد الذي ظهر في مطلع القرن العشرين حينما ننظر في المبادئ التي قام عليها وهي مبادئ ( علمية ) هي : الاقتصاد – الانسجام – الشمول – الوضوح المنهجي – البساطة في عرض القواعد واستخلاص النتائج – طرح الفرضيات التي يتم التدليل على صحتها من خلال التجارب – الوحدة والتماسك – الموضوعية2 .
إن أبرز انطلاقة شكلت تحولا في مسار تحليل الأدب هي تلك الفكرة الصادرة عن دوسوسير والقائلة بضرورة التمييز بين الكلام ( parole ) واللغة ( langage ) : فاللغة هي مجموعة القواعد الموجودة عند كل الناس فهي ( جماعية ) أما الكلام فهو فردي ، لأنه يشكل التجسيد أو الإنجاز أو التحقق ( الفردي ) لتلك القواعد إن شفاهيا أو كتابة ، غير أن الارتباط بينهما وثيق إلى درجة كبيرة ، ذلك أن " وجود كل واحد منهما يفترض وجود الآخر ويقـتضيه : فاللسان ضروري لكي يعقـل الكلام ولكي يحدث آثاره ، ولكن الكلام أيضا ضروري لكي يستقيم اللسان ويستقر ... يوجد إذن بين الكلام واللسان نوع من التعلق فاللسان هو في ذات الوقت أداة للكلام ونتاج له . ولكن هذا لا يمنع من كونهما أمرين متمايزين أشد التمايز : فاللسان موجود في الجماعة في صورة انطباعات وآثار موضوعية في دماغ كل فرد " 3 أما الكلام فهو تحقيق صورة من صور اللسان حسب تعدد وتنوع واختلاف الأفراد . وهذا ما يفسر لنا داخل مجال الإبداع حيث التنوع والتمايز والاختلاف ، خاصة إذا ما ربطنا هذه العناصر بالمفاهيم المشار إليها سابقا ، سواء عند شومسكي 4. أو سوسير .
إن عمل اللساني يكمن في وصف وتفسير اللغة وفق هذا المعطى أي تحديد ووصف وتفسير البنى اللغوية انطلاقا من مستوياتها : الصوتية والمعجمية والتركيبية والدلالية . من هنا كان هــذا الخروج من البحث في المحيط والعوامل الخارجية إلى البحث في بنيات النص ضروريا ، سواء تعلق ذلك بالشعر أم القصة أم الرواية .
وقد ساهمت هذه الرؤية ( الجديدة ) في التعامل مع الظاهرة الأدبية في إغناء العمل الأدبي عموما والتحليل والنقد بخاصة ، مما انعكس إيجابا على مختلف النتاجات سواء تعلق الأمر بالتنظيرات أو التطبيقات 1 ، حيث بدأ الاهتمام بعناصر هامة مثل : ( الوظائف والحكي والسرد والوحدات الفرعية والأساسية والعوامل من ذات وموضع ومساعد ومعارض وشخوص دلالية أخرى وعلاقات هذه الأخيرة بالأمكنة والأزمنة والتشاكلات وغيرها من المستويات والعلاقات التي تكفل للنص السردي انسجامه ووحدته في حين انصب الاهتمام في مجال الشعر على التكرارات والتنويعات في مجال الأصوات والموضوعات والصفات والمفردات وأصنافها والمركبات الكلامية وأنماطها وأنواع الجمل وسماتها والحقول الدلالية والعلاقات بينها والصور وأبعادها الجمالية والبلاغية والأبنية التي تضمن ذلك الانسجام والترابط والوحدة التي يسعى إليها الأديب دون تجاهل علاقات هذه المقومات وتجلياتها بالمتلقي الذي لم يعد مستـقبلا فحسب ، بل منتجا أو مساهما في عملية إنتاج النص .
هكذا إذن نمت الدراسات المرتبطة بعالم النص في مفهومه الواسع 2 والجديد بتواز مع التطور الهائل الذي شهده الدرس اللساني بجميع فروعه . ومما ساعـد على هذا الارتباط بين البحث الأدبي واللساني هو أن " استراتيجية التعامل هي نفسها استراتيجية لسانيات ، بنيوية أساسا ، تعتمد مقولات كبرى كالبنية / العلاقات / النموذج . التمييز بين الآني والدياكروني . إلا أن تعامل البحث الأدبي مع اللسانيات لم يتوقـف عند حدود طروحات نظرية لسانية ، بل إن بعض الباحثين أنفسهم طوروا أجهزتهم المفاهيمية بتطور البحث اللساني(كما نجد عند كريماس نفسه) ، فمفاهيم النحو التوليدي وظفت وإن غير فحواها من ذلك مفاهيم : التحويل / البنية العميقة / البنية السطحية " . 1
1-الاتجاه " الشعري ":
الشعرية فرع من فروع اللسانيات " تعالج الوظيفة الشعرية في علاقتها مع الوظائف الأخرى للغة ، وتهتم الشعرية بالمعنى الواسع للكلمة بالوظيفة الشعرية لا في الشعر فحسب ، حيث تهيمن هذه الوظيفة على الوظائف الأخرى للغة ، وإنما تهتم بها أيضا خارج الشعر حيث تـعطي الأولوية لـهــذه الوظيفــة أو تـلك تبعا للوظــيـفة الشـعــرية " 2 . بــهــذا الـتـحـديــد حاول ( ياكبسون ) أن يزيل اللبس الذي قد ينشا عن هذه التسمية ، التي اقترنت في ذهن المتلقي بالشعــر، مركزا على خاصية ( المهيمن ) منها في كل النصوص أو الخطابات أو الأجناس الأدبية ، مشددا من جهة أخرى على العلاقة بين الشعرية واللسانيات ، انطلاقا من تحديد الموضوع والطريقة التي يعالج بها ضمن هذا المجال القائم على إجابة واضحة ومحددة عن سؤال محوري هو : " ما الذي يجعل من رسالة لفـظية أثرا فنيا؟ [ وبالتالي ] بما أن هذا الموضوع يتعلق بالاختلاف النوعي الذي يفصل فن اللغة عن الفنون الأخرى وعن الأنواع الأخرى للسلوكات اللفـظية، فإن للشعرية الحق في أن تحتل الموقع الأول بين الدراسات الأدبية ، [ذلك] أن الشعرية تهتم بقضايا البنية اللسانية تماما مثل ما يهتم الرسم بالبنيات الرسمية. وبما أن اللسانيات هي العلم الشامل للبنيات اللسانية ، فإنه يمكن اعتبار الشعرية جزء لا يتجزء من اللسانيات "3 .
إن المتتبع لمقوم ( الوظائف ) ( Fonctions ) الذي استند إليه يا كبسون ، يدرك انه وجه الدارس المحلل والمتلقي المشارك إلى موضوع غالبا ما لم يأخذ نصيبه من الاهتمام ، رغم دوره الهام في إبراز جمالية العمل الأدبي ، وتحديد درجة ومستوى ( أدبيته ) مقارنة بأعمال أخرى . ذلك أن هذه الجمالية التي هي المطلب الأول في مثل هذه النتاجات ، تتقوى كلما كانت الهيمنة الكبرى للوظيفة الشعرية مقارنة بالوظائف الأخرى : ( إفهامية أو انفعالية أو مرجعية أو ميتالغوية ) ، خاصة وأنها تجد حضورها اللافت في جنس الشعر إذا ما قورنت بجنس القصة أو الرواية .
هكذا نجد تودوروف يركز ضمن هذه اللسانيات الشعرية على ما يسمى القوانين الشعرية ( les lois poétiques ) التي ليست هي النص المقدم بل النص المفترض ، الذي يساهم في إنتاجه المتلقي أيضا بفضل تقديمه لقراءات محتملة ، وافتراضات تملأ البياضات والفراغات النصية ، حيث جاءت " الشعرية فوضعـت حدا للتوازي القائم على هذا النحو بين التأويل والعلم في حقل الدراسات الأدبية ، وهي بخلاف تأويل الأعمال النوعية لا تسعى إلى تسمية المعنى ، بل إلى معرفة القوانين العامة التي تنظم ولادة كل عمل ، ولكنها بخلاف هذه العلوم التي هي علم النفـس وعلم الاجتماع .. تبحث عن هذه القوانين داخل الأدب ذاته " 1، على أن الأدب يشمل المنتج والمتلقي معا في عمليات متنامية ، وغير منتهية بل مفتوحة .
II- الاتجاه الأسلوبـــي :
إذا كان دوسوسير قـد ميــز بـــيـن الـكلام ( parole ) واللـغــة ( langage ) واللــسان ( langue) ، فإن شارل بالي قد استثمر هذا التمييز لينتج أســلــوبية خاصة : أســلوبية وصفــية ( Stylistique de,,,,,,ive ) تركز على العلاقة التي تصل من جهة الكلام الذي هو خاص باللغة التي هي عامة ومشاع عـند كافة الناس . هذا بالإضافة إلى ظاهرة (الاختيار) عند المؤلف والتي توجه المحلل نحو مراعـاتها فـي دراسة الأدب . وقــد اعتمدت هذه الأسلوبية عــلى مقــوم ( الخرق أو الانزياح ) كأساس لكشف شعرية الأدب ، وتمييز المبدعين ومستوى نتاجاتهم في درجات متفاوتة تبعا للغة المستعملة وكيفيات ( تمظهرها ) في الخطاب 1 . وقد أكد ميكائيل ريفاتير على هذه العلامة والطرائق الكفيلة بتحقيق وصف منتج بالقـول :" وبحكم القرابة بين اللغة والأسلوب ، فإنه من المؤمل استخدام المناهج اللسانية في الوصف الدقـيق الموضوعي لمسألة الاستعمال الأدبي للغة . ولا يمكن لهذا الاستعمال ، باعتباره الوظيفة اللسانية الأكثر تخصصا وتعقيدا ، أن يهمل من قبل اللسانيين ". 2
غير أنه لابد من التمييز بين أسلوبيات : منها ما يؤكد على المؤلف من خلال أسلوبه الفردي الخاص ، ومنها ما يمزج بين أسلوب المؤلف والسياق ، دون إهمال دور المتلقي وهي التي يقول بها ( ريفاتير ) وإن كان هذا الأخير يعتبر أن " الخلاف بين الأسلوبيات اللسانية والأسلوبيات الأدبية هو خلاف ظاهري اكثر منه خلافا واقعيا ، ذلك لأن الأسلوبيات اللسانية عندها تمثل للإطار النظري ، وإن الأسلوبيات الأدبية تمثل المادة التطبيقية في نقد الأسلوب . وعلى هذا فإن الأسلوبيات اللسانية لابد أن تعتمد على النصوص الأدبية من أجل استنباط الخصائص الأسلوبية للغة التي تعد الموضوع الرئيس للسانيات الحديثة ، وإن الأسلوبيات الأدبية لابد أن تعتمد في تعريفاتها ومقولاتها ومبادئها على اللسانيات لكي تكون أكثر منهجية وموضوعية " 3 ، غير أن هذا التصور ينبغي أن لا يحجب عنا كثيرا من الاختلافات ، وبخاصة تلك التي تهم الجوانب التقنية في التطبيقات على النتائج اللغوية ، وذلك مثل الأسلوبية البنائية التي تركز على الإحصاء والجدولة كأسس محورية في عملية التحليل واستخلاص النتائج كما هو الحال عند ( بيير كيرو) 1 . كما نجد نمطا آخر من الأسلوبية قد استفاد أصحابه من اللسانيات التوليدية لتشومسكي حيث تم توظيف النحو التوليدي في تحليل الأدب ، وقد ظهر جليا في أعمال ( كريماس ) من خلال توظيفه لمفاهيم لسانية مثل : البنية العميقة والبنية السطحية والعلاقات والتحويل بالإضافة إلى المفاهيم السابقة في اللسانيات الوصفية مثل البنية والدراسة التزامنية والتعاقبية .
أما الأسلوبية التكوينية ( Génétique) فتحاول أن تستفيد من الجوانب النفـسية والاجتماعية والتاريخية لفهم وتحليل الأدب متجاوزة بذلك أسلوبية (رولان بارث) التي تؤكـد على الجانب الفردي في الأسلوب ، لا سيما في تمييزه بين ( الكتابة ) التي هي جماعية ، ودرجتها ( صفر ) والأسلوب الذي هو خاص من إنتاج مبدع متميز بلغته وأسلوبه وعالمه الجمالي الفردي الذي لم تتحكم فيه قضايا وهموم الجماعة ، مادام الأهم عند بارث هو : كيف وبأي أداة يعبر المؤلف وليس عن أي مضمون يعبر 2 .
وإذا ما حاولنا تتبع بعض الاختلافات المنتجة بين هذه التصورات الخاصة بهؤلاء المحللين والباحثين ، فإننا نجد أنها لم تقف عند مستوى الآليات فحسب ، بل شملت أيضا التصورات التي كانت تمس مفهوم النص كذلك . فإذا كان ( تودوروف ) و( ياكبسون )3 يعتبران ( النص ) وحدة مغلقة ، فإن ( جيرار جينيت ) 4 يعتبره نصا ( مفتوحا )، لأنه مزيج من (نصوص ) متنوعة من حيث الجنس والشكل والمحتوى وهو ما يسميه ( جامع النص ) ، استنادا إلى ما كانت تطلق عـليه ( جوليا كريستيفا ) ( التناص ) 5 ، إذ النص : ثمرة لتداخلات نصية ، كل نص يستمد وجوده وحياته من نصوص أخرى .
وهذا ما حاولت دراسات تحليلية أخرى أن تستثمره في محاولة إنتاج مقاربات خصبة للنص ، مستفيدة مما انتهت إليه اللسانيات التداولية واللـســانـيات السياقــية ولسانيات الــتـلقي مع ( إيزر وياوس وريفاتير) وغيـرهم ممن اعـتبروا أن ( النص) نتاج مشترك بـيـن المؤلف والقارئ ، لذلك دعوا ، من جهة إلى تجاوز التحديد الضيق للأثر الأدبي ، ومن جهة أخرى إلى الاستناد لتحليل لساني تداولي وسياقي يتجاوز دلالة ( الجملة ) إلى دلالة ( الخطاب ) بكل مكوناته من لغة ومقاصد مؤلف وسياق وشروط مقام وتداول وتلقي ، وذلك بالتركيز على مقولات أساسية مثل : المقصدية والبؤرة والمحاور والعوامل والعلاقات والبرامج السردية إلى غير ذلك من المقومات المحورية في تحليل الخطاب .
ويمكن القول إن دراسات : كريماس وديكرو وبورس وإيكو من أهم ما أنتج في هذا الفرع من اللسانيات التي أثمرت بدورها نمطا آخر من التحليل يهتم أساسا ( بشكل المعني ) وكافة الأشكال الرمزية والعلاماتية ، سواء كانت لغوية أم سمعية أم بصرية أم إشارية أم ذوقية1 . أضف إلى ذلك أن من مميزاتها الأساسية أنها لا تبحث في المرجع (Le réfèrent) ولكنها تفسر ( المدلول ) ( le signifié ) والعلاقات ( les rapports ).
لقد نجحت دعــوى كل من ( ديكرو وبورس وكريماس وجينيت وتودوروف وكريستيفا وإيكـــو ) القائلة بضرورة تحليل أشـكـال أخرى غير لغوية مثـل : الشكل البصري1 والإشاري والذوقي والبحث في دلالات هذه الأشكال فاتـسـع بـذلك مـجال البحث والتـحليل من اللغـة التي كانت مهــيـمـنة إلى العلامات على اخــتلافـها أي فـي كـل رسالة ( Message ) تحدث تواصلا ( Communication ) ممتدا .
لقد أفاد كريماس المحللين فيما يعرف ( بعلم دلالة المعنى ) ، خاصة في مجال السرد ، حيث يرى انه من الضروري الاستناد إلى ما أسماه بالعوامل ( Les actants) وهي : الفاعل والموضوع والمساعد والمعارض والتي اتضحت فيما عرف بالبرامج السردية 2 . كما أكد أمبيرتو إيكـو إلى ما اسماه ( العمل المفتوح ) ، بحيث اعتبر كل عمل منسجم ومحكم عملا مفتوحا على قراءات عديدة منتجة ، لأنه قائم على عناصر فنية ، رمزية ، تتيح إمكانية تنوع القراءات والمقاربات . وإن المؤلف حسب إيكو يقدم نصا ناقصا على المتلقي أن ( يتممه ) ويسد ( فراغاته ) 1.
III - النموذج اللساني في الدراسات العـربية :
لقد تنبه الدارسون العرب إلى ضرورة الإفادة من منجزات الدرس اللساني الذي بلغ دروته في البلاد الغربية . فنادوا بدورهم للتخلي عن الأساليب ( القديمة ) في تحليل الأثر الأدبي استنادا إلى السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، أو مفاهيم الابتكار أو السحر أو الخوارق التي يصعب تحديد بنياتها وأسرارها .
كان طبيعيا أن ينخرط هؤلاء الدارسون والباحثون والمحللون في هذا السياق من التحول إلى مناهج تدرس الأدب من داخل بنياته ومكوناته الصوتية والمعجمية والتركيبية والدلالية ، وكذا مستوى الوظائف والسرد والعوامل والمعنى والبرامج السردية إلى غير ذلك من المستويات والوحدات التي تشكل عالم الشعر أو السرد، والتي انبنت بدورها على ركائز لسانية في الأساس .
إن إفادة الباحثين من هذه المناهج ( الحديثة ) 1 قد أفرز أساليب وطرق تحليل مختـلفـة،ومتنوعة ، لكنها كلها تحاول أن تعيد الاعـتبار للنص من حيث هو لغـة ، تـتـميـز بخـصائصها النوعـية التي ( تفارق ) السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي ، لتشكل عالمها المتفرد ، الذي يلزم تعاملا ( علميا ) وتحليلا ( خاصا ) لا خلط فيه بين المبادئ ، ولا مزج فيه بين النظريات المتباعدة من حيث المبدأ والتصور .
ولقد كان هذا المنظور المنطلق الذي سارت منه ( السكلانية ) بوصفها أول نموذج يعكس هذا التحول الهام . فبدأ تركيزها منصبا على تلافي الوضعيات التي كانت عليها المناهج السابقة " حيث كان الأدب لا يزال حسب عبارة ( فيسيلوفسكي ) " أرضا لا مالك لها " وهذا هو السبب الذي كان يجعل من المستحيل التوفيق بين موقف الشكلانيين والمناهج الأخرى ، كما كان يجعل قبول موقفهم من طرف الانتقائيين أمرا مستحيلا . إن الشكلانيين في اعتراضهم على المناهج الأخرى أنكروا ولا يزالون ينكرون ، ليس تلك المناهج في ذاتها ، وإنما الخلط اللامسؤول فيها بين علوم مختلفة ، وقضايا علمية مختلفة .
لقد اعتبرنا ولا نزال نعـتبر كشرط أساسي ، أن موضوع العلم الأدبي يجب أن يكون دراسة الخصيصات النوعية للموضوعات (objets) الأدبية التي تميزها عن كل مادة أخرى "2 . معنى هذا أن الهم الأول الذي أصبح يشغل الدارسين هو ( النص) أو ( داخله ) ، بدل البحث فيما هو خارجه ، متوسلين في بلوغ هذا المسعى بآليات ومفاهيم لسانية ، أكدت نجاعتها وإجرائيتها في اكـتناه كثير من القضايا اللغوية والأدبية التي كانت من قبل مستثرة أو خارج الدراسة والتحليل ، مثل : البنية السطحية والعميقة ، والمحور الاختياري والتوزيعي والعلاقات والأنموذج والمحور التزامني والتعاقبي والتحويل والعوامل والبرامج إلى غيرها من المفاهيم الأساسية في تحليل ودراسة الأدب سواء كان شعرا أم سردا ، بل إن من الباحثين العرب من اتخذ من الدرس اللساني طريقا لإعادة قراءة التراث ، كما هو الحال في مشروع د. عبد السلام المسدي ( المقاييس الأسلوبية في النقد الأدبي من خلال البيان والتبيين ) ( 1976 ) و ( الفكر اللساني في الحضارة العربية ) : (1981) و ( التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس ) د . حمادي صمود ( 1978) و ( مظاهر التـفـكير في الأسلوب عند العرب ) د. الهــادي الطرابـلسي ( 1978) . و ( نحو قراءة جديدة لنظرية النظم عند الجرجاني ) : د . أحمد المتوكل ( 1977) . و ( الاتجاه الوظيفي في تحليل اللغة ) : د . يحي أحمد يحيى ( 1989) . و ( اللسانيات واللغة العربية ) : د . عبد القادر الفاسي الفهري ( 1985) .
غير أن اللافت للانتباه هو تلك الدراسات التي حاولت أن تستلهم النموذج اللساني ، لتطبقه على أعمال شعرية وسردية مختلفة .
فإذا كنا نقر بأهميتها في تعـريف القارئ بالنظريات اللسانية الحديثة ، فإننا نتساءل عــن ( الكيفية ) التي تم بها نقـل هذه النظريات ، وكذا عن مبررات ( الاختيار ) و ( النتائج ) التي تم تحقيقها في هذا المجال ، خاصة في مثل أعمال : د . حسين الواد ( البنية القصصية في رسالة الغفران ) ( 1976) . ود. حمادي صمود ( النور في شعر مصطفى خريف ) ( 1976) . ودة. خالدة سعيد ( النهر والموت للسياب : دراسة نصية ) ( 1978) ، حيث نلمس بوضوح حضور النموذج اللساني البنيوي الوصفي بخاصة في أصوله الأولى ، دون الالتفات إلى النماذج اللسانية الأخرى ، وبخاصة النموذج التوليدي ( شومسكي ) ( 1957 ) ، هذا الأخير الذي حضر بشكل لافت للانتباه في أعمال د . كمال أبو ديب ، بخاصة في كتابه ( الرؤى المقنعة ) ( 1986) 1 الذي خصه لدراسة بعض عيون الشعر الجاهلي ، معتمدا الوصف التشجيري حيث نجده يفرع جمل البيت الواحد إلى قائمة طويلة من الوحدات الجميلة المتصلة فيما بينها بعلاقات وروابط متنوعة ، الهدف منها محاولة إغناء الدلالة بوصف هذه الجمل أنساقا لوحدات متنوعة ، لكنها مرتبطة بعلاقات خاصة 1 .
غير أن من يتأمل مليا هذا التحليل ن يجد عنتا كبيرا في متابعته واكتناه نتائجه . فرغم ما يبدو عليه من ( جدة ) ، إلا أنه كثيرا ما كان يجنح نحو المبالغة والتهويل ، والغلو في عرض القضايا ، ومتابعة التحليل ، وهكذا فإن نظرة متفحصة في هذا المؤلف توضح هذا المنحى من الغلو ، حيث هذا الركام من الترسيمات والجداول والتشجيرات والأرقام غير المفهومة ، يحاول بها كما يقول الكشف عن بنيات النص الشعري الجاهلي ، 2 من خلال بعض النماذج . إلا أن القارئ يجد صعوبة في فك هذه الجداول المعقدة ، التي كان من المفترض أن تساهم في توضيح النص ، بدل إغراقه في الغموض . حيث يصبح القارئ مرغما على أن " يجهد نفسه كثيرا في متابعة الجداول الإحصائية التي تعد تكرار وحدات لغوية ، وتلك التي تقدم تحليلا نحويا للقصيدة . لكن ذلك الاجتهاد لا يقارن بالحيرة الكاملة والمحاولات المستميتة التي يجب عليه أن يبذلها عند ما يواجه بالرسوم التي يفترض أنها توضحية لبنية النص الشعري ، وهي رسوم ( دوائر ومتوازيات وأشياء أخرى كثيرة لا تحددها المعلومات الهندسية ) تدخل القارئ في متاهة إثر متاهة ليخرج منها في نهاية الأمر مجهدا مرهق الفكر ، وقد فقد توازنه تماما ، بعد أن ابتعد أميالا عن النص الشعري ، بدلا من الاقتراب منه " 3 بهذه الطريقة تضيع السبل أمام المتلقي ، وتتلاشى تلك العلاقة التي كان من المفترض أن تقوم بين المحلل والقارئ ، فيضيع معها ( النص ) ، الذي يتوارى خلف عالم من التجريد والترقيم .
فيصبح السؤال : أين النص من كل هذا ؟ . كما يدفعنا ذلك إلى طرح تساؤلات موازية عـن الدرجة التي بلغتها التجارب العربية ذات المنحى البنيوي : هـل استطاعـت فعلا أن تحـقـق خصوصيتها أم أنها بقيت مجرد تجارب ( ممسوخة) ، لا هي عـربية ولا غربية ؟ !
نعـم ، لا يمكن أن نتجاهل ذلك التراكم الهام الذي حققته هذه التجارب ذات المنحى البنيوي ، خاصة في توجيه المتلقي والمحلل معا نحو النظريات والمناهج الحديثة والمتفرعة – أساسا – عن الدرس اللساني ، لا سيما تلك التي أنتجت أعمالا تحليلية أفادت في تعميق الوعي بالآثار الأدبية ، غير أن كثيرا من العوائق وقـفـت ولا زالت تحول دون استثمار منتج وفعال للإمكانات الهائلة التي يتيحها الدرس اللساني بمختلف فروعه واتجاهاته ، والتي من بينها :
- الخلط في المفاهيم .
- تغييب أو تجاهل الخلفيات المعرفية والمرجعيات الخاصة بكل نظرية أو تصور .
- عدم ضبط وتحديد اللغة الواصفة .
- التجريب المفرط لكل النظريات المستعارة ، دون استحضار الحس النقدي المطلوب .
- عدم مراعاة خصوصية النص العربي عند التطبيق أو التحليل اللساني .
- الإغراق في التجريد، والمبالغة في استعمال الإحصاء والترسيمات الخارجة عن - - - - -الحاجة، مما يزيد في التشويش على النص ، بدل إيضاحه .
الاعـتماد المطـلـق عــلى ( نــمـوذج ) واحـد من اللسانـيات ، بخاصة النمـوذج البنـيـوي ( الوصفي ) ، دون الالتفات إلى الاتجاهات اللسانية الأخرى مثل توليدية ( شومسكي ) أو تداولية ( أوستين ) او سيميولوجية ( ستينيانوف ) إلى غيرها من النماذج التي أثبتت حضورها في عالم اللسانيات بشتى فروعها . وذلك للإفادة مما يمكن أن تقدمه للمحلل والباحث في هذا المجال . إذ اللافت للانتباه هو هذا التجاهل المثير للاختلاف بين الاتجاهات اللسانية ، وعدم استثماره في إنتاج تحاليلي خصبة ، متنوعة ومنتجة . يضاف إلى ذلك عدم إقامة حدود فاصلة بين الدرس اللساني كما هو في ( أصوله ونظرياته ) ، وبين ( طرائق ) توظيفه في تحليل الظواهر اللغوية والأدبية في مختلف تجلياتها ، بحيث يجب أن تستثمر نتاجات اللسانيات لكي تخدم التحليل وتكشف بنيات النص ، بدل إغراقه وتعتيمه بأدوات ، وترسيمات مبهمة ، بدعوى ( العلمية ) ، لأنه إذا كانت اللسانيات تصف القوانين المتحكمة في اللغة ، فإن التحليل في الأدب يستثمر نتائجها لإضاءة النص وكشف القوانين المتحكمة فيه . فلا تخدعنك كثرة المصطلحات ، بخاصة إذا لم تثبت إجرائيتها في التحليل ، لأنها تتحول في هذه الحالة إلى علامات جوفاء ، تعيق أكثر مما تساعد ، بل إنها تتجاوز ذلك لتعطل ( الدلالة ) التي هي أس اللغة والمفتاح الرئيس لولوج عالـم مبــدعــيـهــا . وهـنـا لابــد من الإقـرار بان نــقـطة ضعـف اللسانيــات تكـمـن في ( الدلالة ) بحيث لا يكفي إحصاء ووصف المفردات والجمل والحقول والعوامل والبرامج السردية ، أو إنجاز جداول وتشجيرات متعددة ، لنضمن كفاكـفي تحليل مستوياته الأربعة المتعلقة بالإيقاع والمعجم والتركـيب والدلالة ، بل لابد من تمثل السياق ءة التحليل ، بل لابد من ربط مقومات النص كلها بالسياق والخلفيات المعرفية ومقاصد المنتج ودور المتلقي في استخلاص الدلالات الثاوية خلف الأثر الأدبي .
فلو أخذنا مثلا قول الشاعر :
كان الضياء وكان النور نتبعه بعد الإله وكان السمع والبصرا
فليتنا يــوم واروه بـملحـده وغيـبوه وألقوا فوقه الـمدرا
لم يترك الله منا بعده أحـــدا ولم يعــش بعـده أنثى ولا ذكرا

لا يوالمـقام وخصوصية الذات المعـنـيــة بالخــطاب ، والذات التي هـي موضوع 2 ( الرسالة ) بحيث تصبح كل هذه المعطيات سندا لتقوية التحليل والبرهنة على النتائج التي يتم التوصل إليها تفاديا لسوء التأويل .
واعتقد أن الذين وقفوا عند النموذج البنيوي الوصفي ، لن يتجاوزوا كشف بعض العلامات النصية ، التي لا نبرز الأبعاد الدلالية الثاوية في هذا النموذج الشعري والتي هي الأهم في مقصدية المنتج ، حتى ولو ادعى التحليل البنيوي ( الصرامة العلمية ) التي تستند على ما تسميه موت المؤلف ، و ( انغلاق النص ) من حيث بنياته ! إذ " لا شرعية لأي نظرية جمالية في الأدب ما لم تتخذ من مضمون الرسالة الأدبية أسا لها ، بل أهم قواعدها التأسيسية ، كما انه لا يمكن الإقرار بأية قيمة جمالية للأثر الأدبي ما لم تشرح مادته اللغوية على أساس اتحاد منطوق مدلولاتها بملفوظ دوالها "3. من هنا فإن جماع هذه الآليات ، والقرائن والمقومات على اختلافها ، هو الذي من شأنه أن يكـفـل للتحليل فعاليته في الكشف عن البنيات الخفية، الثاوية خلف ا]لملفوظ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ayou.ahladalil.com
 
الأثر اللساني في الدراسات الأدبية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الأثر اللساني في الدراسات الأدبية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المملكة الادبية :: ۩۞۩ القسم العام ۩۞۩ :: منتدى المقالات العامة-
انتقل الى: