أيوب الزياني المديرالعام
عدد المساهمات : 960 نقاط : 2750 تاريخ التسجيل : 18/11/2009 الموقع : المملكة الأدبية
| موضوع: تعب الكلام من الكلام الثلاثاء 5 يناير - 10:58 | |
| قبل أشهر على رحيل الشاعر نزار قباني في العام 1998 دأب على كتابة القصائد خلال عزلته المرضية في منزله اللندني. وكان عزف عن النشر مؤثراً الاحتفاظ بما كان يكتب، حيناً تلو آخر. حتى في المستشفى الذي قضى فيه أياماً ولياليَ لم يكن ينثني عن كتابة الأبيات والمقاطع الشعرية وأحياناً على أوراق صغيرة ومنها أوراق «الروشتات» أو الوصفات الطبية الخاصة بالصيدلية. غاب نزار قباني وظلّت قصائده تلك مجهولة وغير منشورة، تنتظر ان تخرج الى الضوء من عتمة الأدراج. وها هي عائلته ترتأى أخيراً نشرها في الذكرى العاشرة لرحيله، في ديوان يصدر خلال عشرة أيام عن دار نوفل (بيروت) عنوانه «أبجدية الياسمين». هنا قصائد مختارة من الديوان، إضافة إلى المقدمة التي وضعها أبناء الشاعر.
لم يبقَ عندي ما أقولُ. لم يبقَ عندي ما أقولُ. تعبَ الكلاَمُ من الكَلامِ... وماتَ في أحداق أعيُننَا النخيلُ... شَفَتايَ من خَشَبٍ... ووجهُكِ مُرْهَقٌ والنَهْدُ... ما عَادَت تُدَقُّ لهُ الطُبولُ!!
لم يبقَ عندي ما أقولُ. الثلجُ يسقطُ في حديقتنا ويسقطُ من مشاعِرنا... ويسقُط من اصابعنا... ويسقطُ في الكُؤوسِ وفي النبيذِ... وفي السريرِ فأينَ هوَ البديلُ؟!
لم يبقَ عندي ما أقولُ. يَبسَت شرايينُ القصيدة... وانتهى عصرُ الرتابةِ... والصبابةِ... وانتهى العُمرُ الجميلُ!...
الشِعرُ غادرني فلا بحرٌ بسيطٌ... أو خفيفٌ... أو طويلُ... والحب غادرني فلا قمرٌ... ولا وترٌ... ولا ظِلُّ ظليلُ...
لم يبقَ عندي ما أقولُ. لم يبقَ في الميدان فُرسانٌ... ولا بقيتْ خُيُولُ... فالجِنسُ صعبٌ... والوصُولُ الى كُنوزِكِ مُستحيلُ!!... والنهدُ يقتُلُني... ويزعمُ أنه الطرفُ القتيلُ!! والموجُ يرفعني... ويرميني... كثورٍ هائجٍ... فلأيِّ ناحيةٍ أميلُ؟؟ ماذا سيبقى من حصانِ الحُبِّ... لو ماتَ الصهيلُ؟؟
لم يبقَ شيءٌ في يدي... هربت عصافيرُ الطفولةِ من يدي... هربت حبيباتي... وذاكرتي... وأَقلامي... وأُوراقي... وأقفرتِ الشواطئ... والحقولُ...
لم يبقَ عندي ما أقولُ طارَ الحمامُ من النوافذِ هارباً... والريش سافرَ... والهديلُ... ضاعت رسائلنا القديمةُ كلها... وتناثرت أوراقُها. وتناثرت أشواقُها. وتناثرت كلماتها الخضراءُ في كلّ الزوايا... فبكى الغمامُ على رسائلنا... كما بكتِ السنابلُ... والجداولُ... والسُهُولُ...
عيناكِ تاريخانِ من كحلٍ حجازيٍ... ومن حُزنٍ رماديٍ... ومن قلقٍ نسائيٍ... فكيف يكونُ، سيّدتي الرحيلُ... إنّي أفرُّ الى أمامي دائماً... فهل ابتعادي عنكٍ، سيدتي وصُولُ؟... ماذا سأفعلُ كيف أفكّ سلاسِلي؟ لا الشِعرُ يجديني... ولا تُجدي الكحولُ!!...
لم يبقَ شيءٌ في يدي. كلُّ البُطولاتِ انتهت... والعنترياتُ انتهت... ومعاركُ الإعرابِ... والصرفِ... انتهت... لا ياسمينُ الشام يعرفُني ولا الأنهارُ. والصفصافُ... والأهدابُ... والخدُّ الأسيلُ... وأنا أحدِّقُ في الفراغِ... وفي يدَيكِ... وفي أحاسيسي... فيغمرُني الذُهولُ...
أرجوُ السماحَ... إذا جلستُ على الأريكة مُحبطاً. ومُشتتاً... ومُبعثراً... أرجُو سماحكِ... إن نسيتُ بلاغتي... لم يبقَ من لُغَةِ الهوى إلا القليلُ!! | |
|