المسرح أو الفن الدرامي تأليف أدبي مكتوب بالنثر أو الشعر بطريقة حوارية، وهو موجه للقراءة أو العرض. ويستعين المسرح الدرامي بمجموعة من العناصر الأساسية أثناء العرض مثل: الكتابة والإخراج والتأويل والديكور والملابس. وتشتق كلمة دراما من الفعل والصراع والتوتر. وقد يكون المسرح في تاريخه القديم ناتجا عن الرقص والغناء.
2- المسرح الإغريقي:
لقد ظهر المسرح لأول مرة في اليونان وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، ويعد كتاب أرسطو( فن الشعر) أول كتاب نظري ونقدي لشعرية المسرح وقواعده الكلاسيكية. وقد نشأ المسرح التراجيدي حسب أرسطو من فن الديثرامب الذي يمجد آلهة ديونيزوس بالأناشيد والتاريخ. وحسب الأسطورة يعد ثيسبيس أول ممثل بلور الفن الدرامي متقمصا دورا أساسيا في القصة الديثرامبية وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، وكان مرنما كلما أنشد منولوجا ردت عليه الجوقة بما يناسب ذلك. وكانت هذه المحاولة البداية الفعلية للآخرين لتطوير المسرح نحو جنس أدبي مستقل. ولم تعرف التراجيديا اليونانية أوجها إلا في القرن الخامس قبل الميلاد، إذ ظهر أكثر من ألف نص تراجيدي، ولم يبق سوى واحد وثلاثين نصا فقط. و قد كتب هذه النصوص الدرامية كل من أسخيلوس وسوفكلوس ويوربيديس.وتتفق هذه التراجيديات في بناء صارم يتمثل في الصياغة الشعرية، وتقسيم المتن إلى فصول، وتناوب الحوار بين الشخصيات( أكثر من ثلاث شخصيات)، والجوقة التي تردد الأناشيد الشعرية، والقصص المأخوذة من الأساطير القديمة أو التاريخ القديم حيث يستوحي منها الشعراء الدراميون بكل حرية أسئلتهم السياسية والفلسفية.
وتقام المسرحيات في أثينا إبان حفلات ديونيسوس: إله الخصب والنماء. وقد اعتاد اليونانيون أن يقيموا للآلهة حفلين: حفل في الشتاء بعد جني العنب وعصر الخمور؛ فتكثر لذلك الأفراح وتعقد حفلات الرقص وتنشد الأغاني ومن هنا نشأت الكوميديات. وفي فصل الربيع، حيث تكون الكروم قد جفت وعبست الطبيعة وتجهمت بأحزانها مما أفرز فن التراجيديا. وكانت تجرى مسابقات مسرحية لاختيار أجود النصوص الدرامية لتمثيلها بهذه المناسبة الديونيسوسية ذات الوظيفتين: الدينية والفنية. و لابد أن تفوز بهذه المسابقة ثلاثة نصوص تمثل وتعرض أمام المشاهدين، ومن شروطها أن تكون هجائية تسخر من الآلهات وتنتقدها.
وشهدت الكوميديا تطورا كبيرا منذ منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. ومن أهم الكوميديين نجد أريستوفانوس بمسرحيته الرائعة( الضفادع)، وكانت الكوميديا تنتقد الشخصيات العامة وتسخر من الآلهات بطريقة كاريكاتورية ساخرة. وقد حلت الكوميديا محل التراجيديا في القرن الرابع قبل الميلاد. وانتشرت الثقافة الهيلينية في أصقاع العالم بفضل غزوات الإسكندر الأكبر، وذاع صيت المسرح اليوناني بكل أنواعه وقضاياه وأبنيته الفنية.
وإذا تأملنا معمارية المسرح اليوناني وجدنا العروض المسرحية تقدم في الهواء الطلق في فضاء مسرحي دائري محاط بمقاعد متدرجة من الأسفل إلى الأعلى على سفح الهضبة في شكل نصف دائرة( المدرج)، ويحضره ما بين 15000و20000 من المشاهدين الذين كانوا يدخلون المسرح مجانا؛ لأن المسرح من أهم المقاطعات العمومية التي كانت تشرف عليها الدولة- المدينة ووسيلة للتوعية والتهذيب الديني والتطهير الأخلاقي.
و يمثل على خشبتها المنبسطة ممثلون يلبسون ثيابا عادية مخصصة لكل دور درامي مناسب، كما كانوا يضعون على وجوههم أقنعة نشخص أدوارا خاصة، وكان الممثلون محترمين ولهم مكانة سامية في المجتمع اليوناني. ويمتزج في النص المعروض:الدراما الحركية والغناء والرقص والشعر؛ مما يقرب العرض من الأوبرا أكثر مما يقربه من المسرح الحديث.
3- المسرح الروماني:
لم يتطور المسرح الروماني إلا في القرن الثالث قبل الميلاد.وقد ارتبط هذا المسرح بالحفلات الدينية التي كانت كثيرة، كما كان للمسرح وظيفة الترفيه و التسلية مع انعقاد الحفلات الدنيوية. وتعد الكوميديا الشكل الشعبي المعروف في الرومان القديمة منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وقد ازدهرت مع بلوتوس وتيرينس المتأثرين بالكوميديا الإغريقية الجديدة.
ومن التراجيديات المعروفة في الرومان نجد مسرحيات سينيك إبان القرن الأول قبل الميلاد وتراجيديات سالون التي سارت على غرار التراجيديات الإغريقية. بيد أن المسرح الروماني سينقرض مع ظهر الكنيسة المسيحية وسقوط الإمبراطورية الرومانية، فاختفى بذلك المسرح الكلاسيكي: اليوناني والروماني من الثقافة الغربية لمدة خمسة قرون.
مسرح العصور الوسطى:
وعلى الرغم من ذلك، فلقد ظهر المسرح في العصور الوسطى في أحضان الطقوس الدينية ضمن فضاء الكنيسة المسيحية الكاثوليكية. وكانت النصوص الدرامية تقام بالمناسبات الدينية والفلكلورية والوثنية: (dimanche des Rameaux ) وفي هذه الفترة استثمرت القصص الإنجيلية وأحداثها الطقوسية والقداسية في توليد العروض المسرحية التي تجسد الصراع بين ما هو دنيوي وأخروي، وصراع مريم والمسيح ضد الأهواء والشياطين. واستعان الممثلون بفنون حركية وملابس درامية خاصة، وكان هذا بداية جنينية للإخراج المسرحي. وإذا كان المسرح الروماني قد ارتبط بفضاء معمارية الإمبراطورية اليونانية فإن المسرح في العصور الوسطى ارتبط بفضاء درامي ديني طقوسي لا يخرج عن فضاء الكنيسة أو الكاتدرائية الإنجيلية أو الفضاءات الدينية ذات الديكور الديني الإنجيلي المعروف التي تجسد ثنائية الجنة والجحيم والأهواء وخطاب المعجزات والمقدسات الدينية.
ومن النصوص التي تعود إلى تلك الفترة نص مجهول أنجلو نورماندي بعنوان( لعبة آدم) يتضمن 942 بيتا شعريا وإرشادات مسرحية غنية وواضحة مكتوبة باللاتينية. ويلاحظ أن في هذه الفترة يمكن الحديث عن أنواع ثلاثة من المسرح الوسيطي: أ- المسرح المقدس( الديني)؛ ب- المسرح المدنس( مسرح دنيوي هازل)؛ ج- المسرح الأخلاقي الذي تشرب من تعاليم الإنجيل وقيمه التهذيبية.
5- المسرح في عصر النهضة أو المسرح الكلاسيكي الجديد( المدرسة الكلاسيكية):في عصر النهضة، أثرت ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي بقيادة مارتن لوثر على المسرح، فأخرجه من طابعه المقدس إلى طابع هزلي دنيوي مدنس.وقد انطلق المسرح الكلاسيكي في عصر النهضة من شعرية المسرح الإغريقي والمسرح الروماني؛ ذلك ببعثه وإحيائه من جديد قصد تطويره والسير به نحو آفاق جديدة.
أ- المسرح الإيطالي:
ظهر شكل مسرحي جديد بإيطاليا في القرن الخامس عشر الميلادي، وقد سار على المنوال الروماني مستفيدا من نظريات أرسطو في فن الشعر مستبعدا كل ما كان قبل ذلك من مسرحيات دينية وفلكلورية ودرامية، وأصبح البحث الدرامي بحثا جماليا وبلاغيا خالصا.وكانت لاتقام المسرحيات إلا في إطار حفلات المجالس والجمعيات المسرحية. ومن أهم النصوص في تلك الفترة مسرحية مكيافلي Machiavel بعنوان( ماندراﭽور Mandragore)، وهي مسرحية هزلية وقحة فظة.
ومن أهم مبادىء مسرح عصر النهضة الكلاسيكي:احترام مبدأ المحاكاة الحرفية للواقع ورفض الوهم و اللاواقع والتركيز على المثال الأخلاقي والصرامة الجمالية والفصل الدقيق بين الأجناس ( التراجيديا/ الكوميديا)، وينبغي أن تظهر الشخصيات باعتبارها نماذج إنسانية لا كأفراد أحياء واقعيين، والالتزام بالوحدات الأرسطية الثلاث كوحدة الحدث ( حدث درامي واحد)، ووحدة الزمن( حدث يقع في 24 ساعة)، ووحدة المكان ( تجري الأحداث المعالجة في مكان درامي واحد)؛ لأن عدم الالتزام بهذه القواعد الثلاث يتنافى مع المبدأ الذي أرساه أرسطو ( المحاكاة)، والاعتماد على العقل، والتأثير على الجمهور واستجلاب مواقفه وردوده الانفعالية. ومن التجديدات المسرحية التي عرفها المسرح الإيطالي أن العروض كانت تقدم في فضاءات ركحية مبنية: في القاعات أو ساحات القصور أو تتخذ شكلا مستطيلا مع الارتباط بمعمارية الهندسة المسرحية الرومانية. ومع اكتشاف المنظور، سمح للتصور السينوغرافي بخلق الإيهام بالواقعية الدرامية، وتم تنويع الديكور، وإثراء الفصول الدرامية الخمسة بمشاهد وعروض مجازية استعارية دخيلة تتخلل هذه الفصول.وقد وضع فاصل معماري(غطاء)لفصل قاعة الجمهور عن خشبة التمويه الفني. وإلى جانب هذا المسرح، ظهر فن جديد يعتمد على الغناء والترنيم وهو فن الأوبرا الذي خصصت له مبان فاخرة وفخمة تردادها الطبقة الأرستقراطية التي تأتي لا لسماع العروض الغنائية بل لكي ترى.
صارت الأوبرا فنا شعبيا منتشرا في إيطاليا منذ 1600م ، و ظهرت الكوميديا الشعبية المرتجلة( كوميديا دي لارتي dell’arte)، وكان لها جمهور واسع فيما بعد. وقد بلغت أوجها بين 1550و1650.
ب- المسرح الفرنسي:
تنطلق النصوص المسرحية الفرنسية الكلاسيكية من عدة مبادىء أرسطية تتمثل في:
تقليد الطبيعة أو تقديم صور فنية منظمة وجيدة عن الطبيعة؛
احترام العقل والابتعاد قدر الإمكان عن الوهم والخيال؛
الوظيفة الأخلاقية المبنية على الإرشاد وتعليم الناس القيم الأخلاقية وتغيير المجتمع عبر نشر الفضيلة ودرء الرذيلة؛
احترام مبدأ المحاكاة؛
مراقبة اللياقة والأدب؛
الالتزام بالوحدات الثلاث.
ولم يظهر المسرح الكلاسيكي في فرنسا إلا في1630م مع تراجيديات راسين Racine وكورناي Corneille. وكانت مبادىء المسرح اليوناني تحترم بشدة، وعندما حاول كورناي في مسرحيته ( Le Cid السيد) انتهاك قاعدة المحاكاة لم تجزها الأكاديمية الفرنسية على الرغم من نجاحها.وكانت المسرحيات الكلاسيكية الفرنسية تعتمد على الأساطير وتمثل البنية الدرامية الموروثة واستعمال الإيقاع الكلاسيكي الجديد. وإلى جانب التراجيديين راسين وكورناي كان هناك المسرحي الكبير موليير Molièreالذي أنتج هزليات مضحكة متأثرا بالكوميديا الشعبية الإيطالية وكوميديات القيم. وكان موليير أكبر ممثل كوميدي في عصره، يدير شركة مسرحية تحولت بعد موته بقرار لويس 14 إلى الكوميديا الفرنسية التي تعد اليوم أقدم مسرح وطني في العالم.
ج- المسرح الإنجليزي:
تطور المسرح الإنجليزي في عهد إليزابيت الأولى في أواخر القرن السادس عشر حيث أبقى تقاليد المسرح الشعبي في العصور الوسطى. ومع التطور السياسي والاقتصادي وتطور اللغة، ساهم الهواة الدراميون أمثال توماس كايد THOMAS KYDوكريستوفر مارلو Christopher Marlowe في نهضة المسرح الملحمي الذي بلغ نضجه وازدهاره مع وليام شكسبير.
وقد اعتمد شكسبير في بناء مسرحياته على سنيك وبلوتوس والكوميديا المرتجلة، ومزج بين التراجيديا والكوميديا، كما مزج بين المشهد والرقص والغناء. وكانت عقده الدرامية ممتدة في الفضاء الزمكاني.وكان يستقرىء التاريخ بدل الأسطورة.وكانت الكوميديات الإنجليزية رعوية تستعمل عناصر سحرية وغير عقلية. وظهر رواد دراميون بعد شكسبير مثل بن جنسون Ben Jonson. وبعد وفاة الملكة اتخذ المسرح شكلا مظلما وقحا خاصة مسرحيات جونسون. وفي 1642، تم إغلاق المسارح وتدميرها وتخريبها بسبب الحرب الأهلية وقرار البرلمان الذي انساق وراء ضرورة الغلق تحت ضغط المتزمتين الصارمين.واستمر الوضع حتى 1660. وبعد عودة الاستقرار أصبح المسرح موجها إلى نخبة محدودة، وارتكن الفن الدرامي إلى محاكاة النصوص الفرنسية والإيطالية، ولأول مرة تعطى للمرأة أدوار تشخيصية مناسبة منذ العصر الوسيط. ومن أهم كتاب المرحلة نجد وليام كونجريف William Congreve.
د- المسرح الإسباني:
عرف المسرح الإسباني في عصر النهضة نفس التطور الذي شهده المسرح الإنجليزي في عهد إليزابيت الأولى بالخصوص في منتصف القرن17م مع لوبي دي فيكا Lope de Vega وبيدرو كالديرون Pedro Calderon. وكان هذا المسرح مقترنا بالتقاليد الإسبانية القائمة على الأفكار المثالية المرتبطة بالشرف والحق الإلهي المقدس، وكان الجمهور المثقف هو الذي يقبل على هذا النوع من المسرح، لكن هذا المسرح لن يعرف التطور الذي عرفه المسرح في فرنسا وانجلترا بل سرعان ما انطفأت شعلته يسبب هزيمة إسبانيا في معركة أرمادا ومحاكم التفتيش والتوجه الديني الصارم.
تاريخ المسرح العربي
بدأ المسرح العربي بالظواهر الدرامية الشعبية(1)التي ظل قسم منها مستمرا" حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , أما القسم الآخر فما زال يقدم حتى الآن مثل ( فنون الرقص الغجرية),(الكاولية) ,(القراقوز )(2) ,(خيال الظل),التي كانت سببا " لظهور أشكال مسرحية مهمة أخرى مثل :
( الأخباري) (3) و(السماح) , (حفلات الذكر) , ( المولوية ) في المشرق العربي و( مسرح البساط ) , ( صندوق العجائب ) , (المداح ), ( الحكواتي ) ,( إسماعيل باشا )(4) في المغرب العربي لكن تظل محاولة النقاش البداية الأكثر أهمية رغم غرابتها على الطباع العربية ورغم تقليدها الأعمى ونقلها الحرفي للتجربة الغربية هذا النقل الذي وصفه د. محمد يوسف نجم بأن الذين نقلوه إلينا " شاهدوا في أوربا
أن المسرح له ( أنوار أمامية ) وتقوم في مقدمته ( كمبوشة ) للملقن توهموا إنها من لوازم المسرح الضرورية . فألصقوها حيث لاحاجة إليها "(5) أو كما وصفه النقاش نفسه حين "وقف أمام الجمهور وألقى مقدمة بالأسلوب الأوربي الشائع في القرن الثامن عشر والتاسع عشر قائلا :- أن ما يقدمه [ مسرح أدبي .. بمثابة ذهب غربي في قالب عربي ] وأضاف : إن هذا النمط نوعان : دراما واوبرا…."ولعله كان من الأسهل لي أن أبدا بالنوع الأول , ولكني عزمت على أن أتناول النمط الأصعب فمن الأرجح انه سوف يحظى باستحسان النظارة ومتعتهم ,واذكر إنني اخترت الشيء الأصح … وأنكم سوف تستفيدون من هذا المسرح لا نه يعلم السلوك اللائق ويقدم نصيحة طيبة , ومظهرا مهذبا" (6) , كان هذا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر . ونقلا يكاد يكون حرفيا من المسرح العالمي .فتطور التجربة المسرحية تأتى نتيجة حتمية لتطور الفعل الذي هو نتيجة تملك الخبرة الاجتماعية المتراكمة تاريخيا" عبر فعاليات عدد هائل من الأجيال يقف كل منها على أكتاف أسلافه , فخواص وقدرات كل فرد هي نتاج للتطور التاريخي الاجتماعي للبشرية بأجمعها "(7).
وقد (امتاز) الرواد بثقافتهم البرجوازية التي تبغي " إرضاء طبقة معينة من المجتمع ليست هي الطبقة الشعبية ,لذا لم يستطع هؤلاء الفنانون خلق مسرح أصيل"( 8 ) ولو أن تلك البدايات استمرت لانتهت إلى مسرح ذي خصوصية وهوية تميزه عن بقية المسارح العالمية . ولأمكن تجاوز النقص في التأليف بالرجوع إلى المضامين القريبة من المسرح مثل (خيال الظل) , ( السماحة ) ,( المقامات) , ( السير الشعبية ), أو ( عاشوراء ) التي كتبت عنها ( بوتنتيسفيا ) قول "لقد سمحت لنفسي بالتوقف عند هذه الأحداث كي أشير إلى المادة المتبعة بالدراما الحقيقية [ التراجيديا] ولا يتبقى لنا في النتيجة إلا أن ناسف لعدم ولادة شكسبير عربي كان باستطاعته تجسيد طباع أبطاله وسلوكهم في الشكل الفني للتراجيديا الدموية أن في هذه المادة من المؤامرات والقسوة والتعسف والشر مالا يقل عما كانت عليه من مواضيع عصر حروب الوردة الحمراء والوردة البيضاء " (9), لكن لم يظهر كاتب في حينه ليستفاد من هذه الأحداث ولتتطور كامل التجربة المسرحية كما هو الحال في ظهور شكسبير الذي تزامن مع حروب الوردتين . ومن المؤسف أن( واقعة عاشوراء لم تستثمر إلا في النصف الثاني من القرن العشرين. أي بعد مرور ما يقارب من 1280 عاما على وقوعها .أما البداية الفعلية للحركة المسرحية العربية في لبنان وسوريا فيمكن تأشير مراحلها بالآتي :-
1- 1847محاولة النقاش حين قدم مسرحية ( البخيل ) عن مولير .
2- الترجمات: حيث نقل ( شبلي ملاط ) مسرحية (الذخيرة) عن الفرنسية ومسرحية ( شرف العواطف ),وكذلك في ترجمة ( أديب إسحاق ) مسرحية راسين ( اندروماك ).
3- التاريخية : هي مرحلة بعث التاريخ الوطني العربي التي من خلالها كتب (نجيب الحداد ) مسرحية ( حمدان ) والتي استمدها من حياة ( عبد الرحمن الداخل ) .
4- الواقعية الاجتماعية: وتمثلت في كتابات جبران خليل جبران الذي كتب مسرحية (ارم ذات العماد ) .
ومسرحية ( الآباء والبنون )التي كتبها ميخائيل نعيمة سنة 1977 وهذه المرحلة دخلت إلى لبنان عن طريق حركة أدباء المهجر في أمريكا . أما في سوريا فقد بدا المسرح عندهم من فن ( الكراكوز ) الذي كان يقدم في المقاهي مع شيء من رقص ( السماح ), ومن اشهر لاعبي ( الكراكوز ) كان الفنان (محمد حبيب ). وكان في دمشق قبل الانتداب مقاهي عديدة منها (للحكواتي ) , وأخرى (للكراكوز ) وثالثة (للمصارعة ) ورابعة (للسيف والترس ) وخامسة ( للرقص )….وهكذا( 10 ) وبعد وفاة (مارون النقاش) وبعد ركود استمر عشرون عاما ؛ ألف (ابن أخيه سليم النقاش) فرقة مسرحية مع زميل له ( أديب اسحق ) وسافرا بها إلى مصر فعملا على مسارح الإسكندرية وقدما عدة مسرحيات على مسرح ( زيزينيا )(11) من تلك المسرحيات ( اندروماك ) لـ (راسين ) واوبرا (عايدة) التي نقلها سليم النقاش عن الإيطالية ؛ ثم تلتها دراما من خمسة فصول ألفها ( سليم النقاش ) باسم (الطاغية ) وقدمها على مسرح ( الأوبرا ) في القاهرة سنة 1878 , وقدم أيضا مسرحية ( شارلمان ) و( الباريسية الحسناء ) , إلا إنها إلا انهما –أي سليم النقاش وزميله أديب اسحق – لم يستمرا فتخليا عن مسرحهما إلى ( يوسف الخياط ) واتجها إلى الصحافة .أما ( يعقوب صنوع ) الملقب بـ( أبى نظارة )الذي سبقهما فبدا عام 1870 فقد (( أقام دعائم المسرح العربي في وقت مبكر , وسبق به آثار الفرق اللبنانية والسورية التي جاءت إلى مصر لتنشر أصول هذا الفن في واديها))( 12) ,ساعد ( صنوع ) في ذلك إتقانه لعدة لغات وانه كان شاعرا وصحفيا , أما الذي طور موهبته التمثيلية فهو بناء العديد من المسارح في القاهرة التي استضافت العديد من الفرق الأجنبية الكبيرة التي قدمت عروضها على مسارح القاهرة والتي كانت من شوامخ الأدب المسرحي العالمي فتطورت مواهبه نتيجة احتكاكه بفناني تلك الفرق وكانت حصيلة عمله انه وضع خلال سنتين (32) مسرحية وهو رقم مبالغ فيه فمن غير المعقول أن يقدم هذا العدد من المسرحيات على مدى سنتين إلا إذا كانت ( سكتشات فكاهية سريعة ) ,ولم يثبت من هذا الكم سوى سبع مسرحيات.
وفي ذات الفترة سنة 1878 , كان في سوريا الشيخ ( احمد أبو خليل القباني 1833 – 1903 ) يمارس نشاطه مع زميل له هو الممثل ( اسكندر فرح 1851- 1916) , بتشجيع من الوالي التركي ( مدحت باشا ) شكلا فرقة مسرحية دائمة للتمثيل , قدما من خلالها مسرحية( عايدة) ومسرحية ( الشاه محمود )( 13) , واستطاعا بمرور الزمن استقطاب الطبقة الواعية المثقفة , وازدهر المسرح خلالها , لكن وقوف بعض رجال الدين ضده أدى إلى إغلاق مسرح القباني . فتوجه ( القباني ) إلى الإسكندرية في 24 / تموز /1884 مع زميله ( اسكندر فرح ) وعرضا على مسرح الأوبرا مسرحية ( الحاكم بأمر الله ) التي حضرها ( الخديوي توفيق ) وكان هذا أول عمل لهما وظل (القباني ) يعمل على مسارح القاهرة حتى عام 1900 , عاد بعدها إلى دمشق فأعاد بناء مسرحه , وباشر عمله ونجح نجاحا كبيرا لشهرته ومواهبه في الموسيقى والتلحين والتأليف واستمر حتى مات في 21-كانون الثاني –1903 قدم خلال حياته حوالي (25) مسرحية استمد معظمها من التاريخ العربي ومن القصص الشعبية ومن (ألف ليلة وليلة ) و( كتاب الأغاني لأبى فرج الأصفهاني ).
أما في العراق فان النشاط المسرحي قد بدأ في المدارس الدينية والأديرة ,حيث يشير إلى ذلك ظهور أول مسرحية مطبوعة عام 1893 في مدينة الموصل , صادرة عن دير الآباء الدومينيكين (14 . اقتبسها عن الفرنسية (نعوم فتح الله سحار ) عنوان المسرحية ( رواية لطيف وخوشابا) عن الأصل الفرنسي (FANFAN ET COLAS) وكان قد قدمها في العام 1893 ذاته .
ومنذ نهايات القرن الماضي استمرت الحركة المسرحية ( دينية ) حيث نقلها القسس المسيحيون خلال رحلتهم الدراسية إلى كل من فرنسا وروما , واقتباسهم وترجمتهم إلى المسرحيات التي شاهدوها أو قرءوها فنقلوها معهم وقدموها في العراق لكن هذه البداية ظلت ضيقة ولم تتطور لأنها ظلت حبيسة في الكنائس والأديرة الدينية.كما استمرت المحاولات المدرسية حتى سنة 1926 عندما زارت فرقة جورج ابيض بغداد وقدمت مسرحية (أوديب)التي شارك فيها ( حقي الشبلي ) الذي "كان له فيما بعد الأثر الفعال في وضع الأسس الفنية الأولى للمسرح العراقي وتغيير نظرة الناس إلى هذا الفن ورفع مستوى الهواة العراقيين الذين عملوا في هذا المجال " (15) وأسس أول فرقة مسرحية محترفة عام 1927 باسم ( الفرقة التمثيلية الوطنية ) , وفي عام 1929 تأسست ثلاث فرق مسرحية وهن (الفرقة التمثيلية العصرية ) و( الفرقة التمثيلية الشرقية ) التي ترأسها (صبري شكري ) و( جمعية أحياء الفن ) برئاسة ( كمال عاكف ) , وكان في عام 1929
أن اتفق حقي الشبلي على العمل مع (فرقة فاطمة رشدي ) وفعلا" سافر إلى القاهرة وعاد مع الفرقة التي قدمت عروضا في بغداد والبصرة والموصل وحين رجعت الفرقة إلى القاهرة مكث حقي الشبلي في بغداد وأسس (فرقة حقي الشبلي ) التي استمرت حتى عام 1935 حيث سافر حقي الشبلي إلى فرنسا للدراسة ويعتبر الشبلي أول موفد لدراسة فن المسرح في العراق . وهكذا فقد شهدت الأعوام العشرة من 1928 –1938 ظهور العديد من الفرق المسرحية المحترفة التي قدمت العديد من المسرحيات المحلية والعالمية حتى عام 1940 . وحين عاد حقي الشبلي من باريس أسس فرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة الذي كان انعطافه فنية كبيرة خلقت ا أجيالا من المسرحيين الذين ساهموا في بناء الحركة المسرحية العراقية التي نافست فيما بعد أهم التجارب العربية وشاركت في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات الفنية عربيا وعالميا . ساهم هذا المعهد في غرس الثقافة في نفوس العاملين في المسرح و أخذّ على عاتقه مهمة أعداد الممثلين والمخرجين وتقديم المواسم المسرحية التي اطلعت الجمهور العراقي على كثير من روائع المسرح العربي والعالمي" (16) وكان نواة لتأسيس (أكاديمية الفنون الجميلة –عام 1963 ) و ( كلية الفنون الجميلة عام 1968 ) .
كما إن الربع الأول من القرن العشرين قد شهد ميلاد نهضة مسرحية واسعة في اغلب أقطار الوطن العربي في كل من (السودان -1902 ) , ( تونس –1908) , ( فلسطين –1917 ) , ( البحرين –1919 ) , ( الجزائر – 1921 ) , ( المغرب – 1923 ) ,(ليبيا ,1925) , ( الكويت – 1938 ) و( قطر والأردن – بداية السبعينات) وسأتطرق بشكل موجز إلى كل بلد وكيف نشأ فيه المسرح , ففي السودان انطلق المسرح بفضل مجموعة من المدرسين المصريين الذين عملوا فيها بالتدريس في كلية (جوردون التذكارية ) فقدموا أول مسرحية لهم ( التوبة الصادقة ) عام 1912 ,أما أول نص مسرحي فقد كتبه عبد القادر مختار عام 1902 بعنوان (المال)( 17 ) .
آما في (تونس ) فكان العام 1908 حين زارت (الفرقة المصرية الشعبية ) التي يرأسها (محمد عبد القادر المغربي) المعروف باسم (كامل وزوز ) , حيث مثلوا مسرحية ( العاشق المتهم ) المقتبسة عن الإيطالية واغلب الظن أنها مقتبسة من مسرحيات ( الكوميديا دي لارتا ) .كذلك زارت فرقة ( سليمان القره داغي ) تونس في نفس العام الذي أثارت عروضه اهتمام التونسيين المهتمين بفن التمثيل ,فأسسوا ( الجوق المصري – التونسي ) وقدموا أول أعمالهم سنة 1909 .وفي سنة 1911 تأسست ( جماعة الآداب العربية ) وفي سنة 1912 تأسست (جماعة الشهامة العربية) ,وقدمت الفرقتان العديد من المسرحيات , من ضمنها كانت مسرحية ( الانتقام ) وكانت من تأليف (الشيخ محمد مناشو ) ,وكان لتكرار زيارات الفرق المصرية إلى تونس أثرها في شحذ الهمم المسرحية فكان في عام 1932 أربعة فرق مسرحية هي ( فرقة المستقبل التمثيلي) و(فرقة السعادة ) و(فرقة الشيخ ألأكودي ) و(جمعية التمثيل العربي ) ," وقد امتازت السنوات الباكرة من هذه الفترة بظهور أول ممثلة تونسية هي (زبيدة الجزائرية )( 18 ).
وأما (فلسطين ) فكان أيضا الفضل في نشأت المسرح فيها يعود إلى زيارات الفرق المصرية , (فرقة جورج ابيض ) و(فرقة سلامة حجازي ) اللتان زارتا (فلسطين ) سنة 1914 وقدمت المسرحيات (لويس الحادي عشر ) ,(تاجر البندقية ) و(أوديب ) الأمر الذي حفز نخبة من الشباب الفلسطيني , فأسسوا أول نادي للتمثيل في (القدس) أسموه (نادي الإخاء الأرثوذكسي ) (19) فقدموا مسرحية مترجمة شاركت في تقديمها الفنانة (بديعة مصابني) . وتوالى بعد ذلك تأسيس العديد من الفرق المسرحية ففي عام 1917 أسس مجموعة من الشخصيات الوطنية (المنتدى الأدبي) وكان من أعضاءه (فخري النشاشيبي) و(حسن صدقي الدجاني ) و(بندلي قرط ) …….وغيرهم, الذين قدموا المسرحيات التالية (IMG:style_emoticons/default/sad.gif) السؤال ) , (صلاح الدين الأيوبي ) ,(طارق بن زياد ) .
وفي عام 1920 تأسست (جمعية الترقي والتمثيل العربي ) ,وفي عام 1925 تأسس (النادي السالسي ) الذي كان يقدم المسرحيات المترجمة عن الفرنسية والإيطالية . وفي عام 1933 تأسست فرقة ( نادي الشبيبة الأرثوذكسي ) برئاسة (نصري الجوزي) وفي عام 1937 أسس (جميل الجوزي) (الفرقة التمثيلية العربية لجمعية الشبان المسيحية ).
وفي عام 1940 تأسست (نقابة الممثلين العربية) كما توالى تشكيل الفرق المسرحية ففي عام 1943 تأسست ( فرقة الأنصار ) و(فرقة اضحك ) حتى بلغ عدد الفرق في (القدس ) وحدها عام 1944 ما يقرب من (20) فرقة هذا التضخم في عدد الفرق ساعد على تأسيس ( اتحاد الفنانين الفلسطينيين ) (20).
أما في البحرين فقد بدأ المسرح مع بداية التعليم المدرسي النظامي سنة 1919 حيث كانت تقدم بعض المسرحيات المدرسية التي انتقلت فيما بعد إلى النوادي الرياضية أيضا , وأصبح العرض المسرحي جزء من نشاط الأندية الرياضية ولحد الآن .مثل (نادي الجزيرة ) .ثم توقفت الحركة المسرحية وعادت في أواخر الخمسينات (21 ).
أما في (المغرب ) و ( الجزائر ) و (ليبيا ) فقد بدأت هي الأخرى مع زيارات الفرق المصرية فرق : (جورج ابيض) ,(محمد عز الدين ) ,(فاطمة رشدي ) وغيرها , إضافة إلى أن (ليبيا ) مثلا تأثرت بالفرق الإيطالية الزائرة لها أيضا , فالشاعر ( احمد قنابة ) الذي يعتبر من رواد المسرح الليبيين قد عمل مع الفرقة الإيطالية التي تدعى (الدبو لاكورو ) من سنة 1925 حتى عام 1936 . وكان اغلب عناصر هذه الفرق تتكون من الفنانين الأجانب بينهم عدد قليل جدا من الليبيين (22) وفي مدينة (درنة) لا في العاصمة بدأت أول فرقة هواة سنة 1928 التي تأسست أيضا نتيجة لتأثيرات الفرق المصرية في العاصمة طرابلس ( الفرقة الوطنية الطرابلسية ) التي أسسها ( احمد قنابة ) سنة 1936(23) , وكذلك جاء تأسيس أول فرقة مغربية بمدينة ( فاس ) عام 1923 قبل العاصمة مراكش - ولابد لنا إن نشير بان ما قام به في تلك الفترة وخاصة بين عام 1923 –1930 المثقفون وقد ماء التلاميذ الناهضين في (فاس ) و (سلا) و( الرباط) من الجهود المحمودة لتأسيس المسرح العربي وتركيزه ( 24 ) . أما في ( الجزائر ) فان بداية المسرح قد اعتمدت على ( العرض الشعبي ) والغناء الذي ارتبط بالهزل اللذان يقدمان في المقاهي. وظل المسرح لفترة طويلة بعيد عن تناول المثقفين , ولذلك ظل الممثل في بدايات المسرح الجزائري هو المؤلف أيضا . وظلت حركة المسرح الجزائرية بهذا الشكل حتى عام 1926 حيث قدم الممثلان ( علا لو ) و( داهمون ) على مسرح ( الكورسال ) أول محاولة مكتوبة بالعامية , وكانت هازلة ( فارس)(25) .
أما العصر الذهبي للمسرح الجزائري فبدا في الثلاثينيات عندما ادخل ( رشيد قسنطيني ) الأداء المرتجل إلى المسرح ويذكر الدكتور علي الراعي عن الكاتبة الفرنسية (آرليت روت ) التي ذكرت في كتابها ( المسرح الجزائري )" إن رشيد قسنطيني ألف اكثر من مائة مسرحية واسكتش , وقرابة ألف أغنية وكثيرا" ماكان يرتجل التمثيل حسبما يلهمه الخيال "(26) حيث تناول الكثير من الشخصيات الشعبية بأسلوبه المتأثر بـ(الكوميديا ديلارتة) الإيطالية ثم اعتمد المسرح الجزائري على المترجم من المسرحيات والمقتبس التي ظهرت بوضوح على أعمال ( كاكي ولد عبد الرحمن ) حتى ظهور المسرحية الجزائرية , والتجارب الهامة لـ( كاتب ياسين) الذي بدا الكتابة باللغة الفرنسية , ثم انتقل إلى الكتابة بالعامية الجزائرية .
وفي ( الكويت ) نشأ المسرح في المدارس , وتشكلت أول فرقة مسرحية سنة 1938 وهي ( فرقة المباركية ) تلتها (فرقة ألا حمدي ) سنة 1940 ويعتبر (حمد الرجيب) رائد العمل التمثيلي الكويتي الذي حفز زميلا آخر له هو (محمد النشمي ) الذي قدم في الأعوام مابين (1956- 1960 ) عشرين مسرحية بينها واحدة . لـ ( صقر الرشود ) (27) , ولابد من الإشارة إلى " إن حمد الرجيب هو أول هاو للمسرح في الكويت الذي أسهم في تمثيل مسرحية ( إسلام عمر ) التي قدمت عام 1938 , وقام فيها بدورين دور امرأة اسمها (فاطمة ) ودور (سراقة)(28) .
أما المسرح في بقية أقطار الخليج العربي والأردن لا يعدوان اكثر من محاولات مدرسية بسيطة , وتجارب ليست ذات أهمية , لكن ما تجدر الإشارة أليه إن في البعض من هذه الأقطار بدءوا بتأسيس مسارح أهليه أو مسارح دولة كما في ( العربية السعودية) , (الأردن ) , ( قطر ) , (دولة الإمارات العربية ) , ( اليمن ) …الخ , وان الغالبية فيها يعتمد على جلب الخبراء من مصر , والعراق , وسوريا , ولبنان , وتونس .
المسرح المغربي
كان البدء تحت راية الاستعمار... مبهراً بأولى شراراته أنظار وأسماع الجماهير. شهد المسرح المغربي نشأته عند محطة التقاء التقاليد المغربية بموجة الفكر الغربي فأتى نتاجه فكرة وتصويراً خدمة لمشروع الاستعمار ووسيلة ترفيه دون شك فما لبث أن احتلّ أعلى قائمة الإنتاجات الفنيّة. وهكذا، مع تواصل عروض المستعمرين بألوان شتى، تغيّرت ماهيّة المسرح بشكل عام في المغرب ليصبح ساحة للمحليّات ومعرضاً للزخارف وقبل كل شيء مقصداً للترفيه. وزاد من غنى المسرح المغربي ما أوحت به عروض المصريّين التي ساهمت في تجلّي صورته وأهمّها المسرحيّات المقدّمة من جانب الفرقة المصريّة في العام ١٩٣٣. وفي مقدّمتها مسرحية صلاح الدين الأيوبي. وشأنه شأن كل المسارح العالمية، حفظ المسرح المغربي مكاناً لأداء الإنتاج الخالد لروميو وجولييت...
بيد أنّه ما لبثت صورته أن تغيّرت جذريّاً مع ظهور أوائل المناضلين الذين جعلوا منه صرخة تتحدّى الاحتلال، فقام المؤلفون أمثال محمد القوري ومهدي المنيعي بتحويله إلى نشيد حريّة وكفاح وانطلقوا منه بمشروع إصلاح اجتماعي فباتت مواضيعه نسخة عن الواقع المرير إلا أنّ قمع الاستعمار ورقابته أفقداه أهمّ أعلامه. لكن مع حلول العام ١٩٥٦ ، بات المسرح المغربي أكثر استقلالاً مع سنّ قواعد تطبيقية واقعية، فتنوّعت مذّاك تجاربه كمّاً ونوعاً وشهد قبل كلّ شيء بداية مشروع تقديم مسرحي عربيّ بحقّ. في النهاية، انقسم المسرح المغربي ما بين مسرح هواة ومسرح احتراف يبدو أكثر إتقاناً وعمقاً. فبموازاة التعبير الشفهي تحتل لغة الجسد مكانة لا يستهان بها.
ويستمرّ المخرجون الجدد باستمداد الوحي من أجدادهم المناضلين مع تعطير مسرحيّاتهم بتردّدات العالم المعاصر فيتجلّى لنا المسرح المغربي ضمن مزيج من الموسيقى العربيّة والبربريّة ، تعبره أصداء الصرخات المعبّرة فتحييه أبداً أسطورة حريّة ورغبة دون حدود في الانصهار في تيّارات العصر.
ولئن تسأل الجمهور المغربي عن المسرح سيتراءى لك تعليقهم على المبالغة أحياناً في تصوير ابتذال الواقع. وعلى الرغم من ذلك، لن يخفى عليك من تقدير لمسرح هو كما قصصه ،ليس حرًّا وصادقاً فحسب بل أكثر: إنّه مثير للاهتمام بقدر ما هو متميّز...