بلا شك أن تحقيق علاقة زوجية ناجحة هو هدف جميع الأزواج ،وتختلف الطرق والتصورات حول تحقيق هذا النجاح ولكن تظل هناك أسس كفيلة بإنجاح العلاقة إذا ما حرص كلا الزوجين على تحقيقها ،وأحد أهم هذه الأسس هو هيمنة المشاعر الإيجابية.
يقصد بهيمنة المشاعر الإيجابية ،تركيز كلا الزوجين على النواحي الإيجابية في شخصية ومواقف وسلوكيات الطرف الآخر ،والاستعداد لتقبل الهفوات والتغاضي عن بعض التصرفات ،والتماس الأعذار ،بطريقة لا تقلل من الاحترام بين الطرفين.
إن وصول العلاقة الزوجية لهذا القدر من الإيجابية في المشاعر يعني تحقيق قدر كبير من التفاهم والاستيعاب ،والمقدرة على التكيف بطريقة أفضل مع الأزمات ،والتفاوض حولها ،والوصول لحلول للمشكلات ، كما يعني سيادة الشعور بالتقدير بين الزوجين وبالتالي الرغبة في الاستمرار سوياً،فيحقق ذلك جو أسري قوامه المودة ودعائمه الرحمة.
ويمكن للزوجين أن يحققا الهيمنة للمشاعر الإيجابية من خلال:
1. تحقيق الهيمنة للمشاعر الإيجابية داخل الذات أولاً ،بتخليتها من مشاعر الحقد والأنانية والرغبة في السيطرة ...،قال تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} ،وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل؟ فقال: (كل مخموم القلب صدوق اللسان)،فقيل له: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فقال: (هو التقي النقي، لا إثم ولا بغي ولا غل ولا حسد)،فهذه قاعدة أساسية على الزوجين أن يحرصا عليها ،فيبدأ كل منهما بتهيئة ذاته للمشاعر الإيجابية قبل أن يطلب ذلك من الطرف الآخر.
2. البعد عن التصرفات التي من شأنها أن تشعر الطرف الآخر أنه موضع شك ،أو أنه غير جدير بالثقة ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث،ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا...) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يطرق أهله ليلاً وكان يأتيهم غدوة أو عشية.
3. البعد عن المثالية الزائدة ،والرغبة في تحقيق الكمال الذاتي أو تكامل شخصية الطرف الآخر ،فليست هناك شخصية لا تحمل عيوب أو نقاط ضعف وتجاوزات وأخطاء ،وقد قال صلى الله عليه وسلم : {كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون}.وقال الشعر:
من ذا الذي ترجى سجاياه كلها كفى بالمرء فخرا أن تعد معايبه
4. التماس الأعذار والتعامل بحكمة مع بعض المشاعر السلبية التي يحملها الطرف الآخر وقدوة الزوجين في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه ،فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بِصَحْفَة فيها طعام ، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَق الصحفة ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول : غارت أمكم ،ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها ،فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت فيه) .
يقول ابن حجر في شرح الحديث : ( وفيه الإشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة ). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".
5. الموازنة بين السلبيات والإيجابيات في الطرف الآخر وحتى يتحقق ذلك بصورة أكثر موضوعية على كلا الزوجين أن يقارن إيجابيات الطرف الآخر بسلبياته هو ،ويتذكر قول الشاعر :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيعِ
6. الرسائل الإيجابية تعطي مشاعر ايجابية ،فيحرص الزوجين على تبادل التعابير اللفظية الطيبة والداعمة للشعور بالقبول.
7. التعزيز الإيجابي لكل محاولة للفهم أو التقدير من الطرف الآخر،فإذا أظهر الزوج مشاعر إيجابية ونوايا حسنة تجاه زوجته ،فدور الزوجة أن تعطي الزوج انطباع بالتقدير وتعزز السلوك الإيجابي بالحرص على إرضاء الزوج،والعكس.
8. الحرص على إدارة المشاعر ،والبعد عن حيل التبرير والإسقاط التي تعد أكثر طريقة شائعة لتقليل الضغوط في العلاقة الزوجية،فالزوجة التي تفشل في إدارة وتنظيم وقتها في العمل المنزلي تسقط ذلك على كثرة طلبات الزوج،والزوج كثير السهر خارج المنزل يبرر ذلك بتقصير الزوجة في توفير بيئة منزلية مريحة،والحقيقة أن كلا الزوجين يحتاج إلى فن إدارة مشاعره والتغلب على الضغوط والبحث على حلول مبنية على مشاعر إيجابية تترجم من خلال المواقف والسلوكيات.
9. البعد عن التعميمات وإصدار الأحكام المسبقة ،فالنوايا الحسنة والمشاعر الإيجابية تعني أن كل موقف زواجي له معطياته الخاصة به،فرغبة الزوج في الاقتصاد في الكماليات لا تعني أنه بخيل،بل هو صاحب تفكير مستقبلي إيجابي ،ورغبة الزوجة في شراء أدوات للزينة لا يعني أنها مبذرة،بل هي زوجة ترغب في إسعاد زوجها من خلال التجمل له.
10. الاعتماد على الحوار ،فالحوار يضمن لكلا الزوجين وضوح رؤيته عن الطرف الآخر ،وهذا كفيل بتحقيق تواصل جيد،أو على أقل تقدير تحقيق مبدأ :"أنا أختلف معك ولكن أفهمك".
11. البعد عن المبالغة ،والعمل على إعطاء المواقف والسلوكيات حجمها الطبيعي ،فتعبير الزوجة عن غضبها_إذا لم يتجاوز حده_ لا يجب أن يفسر على أنه تمرد على قوامة الزوج،وتعبير الزوج عن تجاهل زوجته في موقف معين لا يعني أن حبه بدأ يفتر أو أنه يفكر في امرأة أخرى...
12. التقليل من أسلوب النقد المباشر واستبداله بأسلوب التعبير عن الذات،فعبارة "أنت تتعمد تجاهلي "هي بمثابة إصدار حكم على تصرفات الطرف الآخر وهو أسلوب تهيمن عليه المشاعر السلبية ،في حين أن عبارة " أشعر أني غير قادر على جذب نظرك"تهيمن عليها المشاعر الإيجابية والرغبة في التواصل.
13. التغافل،بعض الأمور البسيطة في العلاقة الزوجية دواءها يكمن في التغافل عنها ،وكما قال الإمام أحمد بن حنبل "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل".
ولا بد أن نذكر أن هيمنة المشاعر الإيجابية لا يعني السكوت على الإهانات أو تقبل السلوكيات المؤذية دون المبادرة لمعالجة المواقف،فالاحترام في العلاقة الزوجية ضروري لتحقيق المشاعر الإيجابية ،أما إذا كان أحد أطراف العلاقة عاجزا عن تقدير النوايا الحسنة ،فالحل الناجع هو في الاعتماد على الحوار والحزم،بهدف الوصول لرؤيا أكثر وضوحاً،وتبني سلوكيات أكثر إيجابية.
إن نجاح الزوجين في تحقيق الهيمنة للمشاعر الإيجابية على علاقتهما من شأنه أن ينجح هذه العلاقة ويشد من أواصرها ،إذا ما حرص الزوجين على جعل التواصل بينهما مبني على قوله تعالى: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.