أيوب الزياني المديرالعام
عدد المساهمات : 960 نقاط : 2750 تاريخ التسجيل : 18/11/2009 الموقع : المملكة الأدبية
| موضوع: بحث في القافية الثلاثاء 30 نوفمبر - 9:31 | |
| أولا: في تعريف القافية اختلف العروضيون وعلماء اللغة في تعريف القافية. فذهب بعضهم إلى القول:"إنها تبدأ من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن قبله، مع الحركة الصائتة التي قبل هذا الساكن" وهذا مذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي. أما تلميذه الأخفش فاعتبرها "آخر كلمة في البيت، وإنما قيل لها قافية لأَنها تقفو الكلام، قال: وفي قولهم قافية دليل على أَنها ليست بحرف لأَن القافية مؤنثة والحرف مذكر" ثم لو قيل لأحد: اكتب قوافي القصيدة، لكتب آخر كلمة من كل بيت. وهذا التعريف – أجده في مضمونه - يوافق ما تواضعت عليه اللغة في تحديدها لمعنى القافية إذ قالت: القافية هي ما يَقْفُ الشيء ويكون آخره. وقَفاه قَفْواً وقُفُوّاً واقْتَفاه وتَقَفَّاه: تَبِعَه. وذكر الليث أن: القَفْو مصدر قولك قَفا يَقْفُو قَفْواً وقُفُوّاً، وهو أَن يتبع الشيء. قال الله تعالى: ""ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلم""؛ قال الفراء: أَكثر القراء يجعلونها من قَفَوْت كما تقول لا تدع من دعوت، قال: وقرأَ بعضهم ولا تَقُفْ مثل ولا تَقُلْ، وقال الأَخفش في قوله تعالى: ""ولا تقف ما ليس لك به علم""؛ أَي لا تَتَّبِع ما لا تعلم، وقيل: ولا تقل سمعت ولم تسمع، ولا رأَيت ولم تر، ولا علمت ولم تعلم، إِن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك كان عنه مسؤولاً . وبالعودة إلى التعريف الاصطلاحي للقافية نلفي أن قطرب قال عنها: "القافية هي الحرف الذي تبنى القصيدة عليه، وهو المسمى رَوِيّاً"؛ وقال ابن كيسان: "القافية كل شيء لزمت إِعادته في آخر البيت"، وقد لاذ هذا بنحو من قول الخليل لولا خلل فيه. أما الفراء فاعتبرها حرف الروي وحركته، لأنه الحرف الذي تٌنسب إليه القصيدة، لذلك يُقال: قصيدة نونية وقصيدة لامية... وقال ابن جني: والذي يثبت عندي صحته من هذه الأَقوال هو قول الخليل. وعلى قول الخليل -إمام علم العروض- اجتمعت أمة اللغة في تحديد القافية. ومع ذلك يجوز توصيفها بالقول:"إنها وحدة صوتية مطردة اطرادا منظما في نهاية الأبيات، حتى لكأنها فواصل موسيقية متوقعة للقارئ. ولهذا يمكن اعتبارها ضابط الإيقاع في البيت الشعري وفي كل القصيدة". ثانيا: حدود القافية للقافية ثلاثة حدود؛أو تتحقق في ثلاث تشكيلات. فقد تكون كلمة تامة أو جزءا من كلمة أو أكثر من كلمة. ولتبين هذه المعاني لزمنا الاستناد إلى بعض العناصر التطبيقية. لذلك ألتمس منك –أخي القارئ- في هذا المقام أن تتأمل معي قافية هذه الأبيات وهي مقطعة تقطيعا عروضيا: قال عبد العزيز الفشتالي مفتخرا: سموت فخر البدر دوني وانـحطا === وأصبح قرص الشمس في أذني قُرْطاً /ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه = /ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه ه مستفعلن فاعلن مستفعلن=مستفعلن فاعلن مستفعلان وقال ابن زيدون مرشدا: فلا فـارق الدنيا سـناءٌ مقـدسٌ === بعيشك فيـها أو ثناءٌ مُجَـمّرُ \\0\0\\0\0\0\\0\0\\0\\0 \\0\\\0\0\0\\0\0\\0\\0 وقال أبو نواس متحسرا: ما لي بدار خلت من أهلها شُغل === و لاشجاني لها شخص ولا طلـلُ \0\0\\0\0\\0\0\0\\0\\\0 \\0\\0\0\\0\0\0\\0\\\0 فقليل من التدبر في قوافي الأبيات أعلاه تلفي نوعا من الموسيقى التي أضفت على القصيدة جمالية خاصة، على اعتبار أن القافية هي "مقاطع صوتية" تختلف فيما بينها بالنظر إلى الحركات والسكنات التي تكونها وفق التحديد الذي حدد به الخليل القافية. وتبعا له فإن قافية البيت الأول ستكون هي : ""قرطا = قُرْطَنْ = \0\0"" معنى ذلك أنها أتت على شكل كلمة تامة. بينما البيت الثاني فقافيته تحققت في جزء من كلمةِ "مجمّر"، أي المقطع الصوتي ""جمّرُ = جمْمَرُو = \0\\0"". وإذا انتقلت معي إلى البيت الثالث وجدت القافية قد تجاوزت في هيأتها الكلمة الواحدة لتتشكل في أكثر من كلمة وهي التي يمثلها المقطع الصوتي:"" لا طلـلُ = لا طللُو = \0\\\0"". ثالثا: حروف القافية وأما حروف القافية فمتعددة بتعدد حركاتها وسكناتها. ولكي نتبينها بشكل أكثر تفصيلا؛ وددت لو تابعت تأملك معي في هذه الأبيات الشعرية المقطعة كأخواتها تقطيعا عروضيا تكون لنا منطلقا لتوصيف حقيقة الحروف. قال المتنبي محمِّسا: على قدر أهل العزم تأتي العزائم === وتأتي على قدر الكرام المكارم على قدر أهل لعزم تأت لعزائمو === وتأتي على قدر لكرام لمكارمو \\0\0\\0\0\0\\0\0\\0\\0 \\0\0\\0\0\0\\0\0\\0\\0 و قال جميل بثينة يوم عشقه: أظل نهاري مستَهاما ويلتقي === مع الليل روحي في المنام وروحها أظللُ نهاري مُستهامَنْ ويلتقي === مَعَلليل روحي فلمنام وروحها \\0\\\0\0\0\\0\0\\0\\0 \\0\0\\0\0\0\\0\\\0\\0 فإذا كانت القافية قد تحددت بالنسبة للمثال الأول في المقطع الصوتي ""كارمو=\0\\0"" من كلمة"المكارم"، فإنها في المثال الثاني قد تشكلت في الصيغة المقطعية""روحها = \0\\0"" وهي تزيد عن الكلمة بالشيء اليسير. وعلى هذه الأساس إن تفحَّصت الحروف التي ولدت بها القافية، ستجد أنها حروف لا تتشاكل في تسمية أو هيأة واحدة، على اعتبار أن كل صوت فيها له مهمة معينة ووظيفة خاصة وتسمية توائم وظيفته ومهمته. فبدءا من آخر ساكن من ""كارمو=\0\\0"" إلى أول ساكن قبله توجد أربعة حروف وهي : الواو والميم والراء والألف. وعلى اعتبار أن "الميم" هو آخر حرف صحيح في البيت وبالعودة إلى القصيدة الأصل نجد أن هذا الحرف هو الذي يتكرر في آخر أبياتها، ومن ثَم سميناه أو نسميه حرف "الروي". أما "الواو" فهو بمثابة صائت طويل متولد عن إشباع حركة الروي، وهو الذي يسمى بحرف "الوصل". بينما "الألف" فصائت يوجد بينه وبين حرف الروي حرف أو صامت صحيح. ومتى كان الأمر كذلك؛ سمي بحرف "التأسيس" لأن القافية تتأسس عليه. في حين يمثل حرف "الراء" الحرفَ الصحيحَ الذي يتموقع بين الروي وألف التأسيس. فكان بموقعه هذا حرفا "دخيلا". وإن انتقلت معي إلى البيت الثاني؛ ستجد أن ساكني القافية وما بينهما من حركات في كلمة "روحها" يشكلون مجتمعين أربعة أصوات أو حروف. فـإذا كانت "الحاء " هي الروي في البيت والقصيدة، فإن "الهاء" هنا تسمى "بهاء الوصل" أو "هاء الضمير" التي لا تصلح لأن تكون رويا. بينما "الألف" في القافية ذاتها، باعتباره حرف مد أو لين تولد من إشباع حركة هاء الوصل، فإنه يسمى بـ"الخروج". أما "الردف" فيمثل آخر حرف من حروف القافية ويحققه في القافية المثال؛ حرف "الواو" بحكم أنه حرف مد وقع قبل الروي مباشرة. رابعا: أقسام القافية وتنقسم القافية إلى عدة أقسام، استنادا إلى جملة من الموجهات والمعايير: 1- بالنظر إلى عدد الحروف الواقعة بين ساكني القافية:إذ قمت بتعداد الأصوات الواقعة بين ساكني القافية فسوف تجدها تترواح بين الصفر والأربعة ولا تكاد تتجاوز ذلك. فقافية أرجوزة العجاج – مثلا- التي يقول فيها: قد جبر الدّينَ الإلهُ فجبَرْ \0\\\0\0\0\\0\\\\0 هي المقطع الصوتي "لاه فجبر = \0\\\\0" معناه، أن عدد الأصوات المتحركة بين ساكنَيْها يصل إلى أربعة وهو أقصى ما يمكن أن تصل إليه حروف القافية المتحركة. وبحكم كثرتها وتراكمها وتكاوسها فإنها تسمى بالاسم ذاته أي بالقافية "المتكاوسة". وإذا عدت إلى قافية بيت الشاعر أبي نواس الذي سلف، وعددت الحروف الواقعة بين ساكني قافيته"" لا طلـلُ = لا طللُو = \0\\\0""؛ ألفيتها ثلاث حركات متراكبة. ولهذا التراكب سميت بالقافية "المتراكبة". لكن عددها سوف يقل في قافية بيت ابن زيدون ""جمّرُ = جمْمَرُو = \0\\0"" ليصل إلى حركتين فقط حتى كاد الساكن الأول يدرك الساكن الثاني في القافية. وبهذه الصورة تسمى القافية بـ"المتداركة". وحين يصل العدد إلى حركة واحدة كما هو الحال في قافية بيت عبد العزيز الفشتالي أعلاه، ""قرطا = قُرْطَنْ = \0\0"" تسمى القافية آنذاك بالقافية"المتواترة". أما قافية بيت من قال: يا صاح قد أخلفت أسماء ما == كانت تمنّيك من طول الوصالْ \0\0\\0\0\0\\0\0\\0 \0\0\\0\\\0\0\0\\00 المتمثلة في المقطع "صال = \00"، فإن عدد الحروف بين الساكنين هو صفر. معنى ذلك أن الساكنين مترادفان. لهذا تسمى القافية هنا بـ"المترادفة". وبهذا نخلص إلى القول: إن القافية بالنظر إلى عدد حركاتها الواقعة بين الساكنين، فإنها خمسة أنواع هي: المتكاوسة والمتراكبة والمتداركة والمتواترة والمترادفة. 2- بالنظر إلى حركة الروي:أما إن نظرنا إلى حركة حرف الروي ذاته، فستنقسم القافية – بحكم ذلك- إلى قسمين أو نوعين اثنين لاثالث لهما. فإذا كان حرف الروي في أرجوزة العجاج هو "الراء" فإنك تراه ساكنا لاحركة فيه. وإن كان الأمر كذلك فالقافية حينها ستكون "مقيدة". لكنها قد تطلق فتسمى "مطلقة" حين تجد الروي متحركا كما هو الحال في روي قافية بيت ابن زيدون مثلا. 3- بالنظر إلى وجود حرف الروي من عدمه:والقافية بهذا المعيار - وارتباطا بخصوصيات الإيقاع في الشعر المعاصر على وجه التحديد – لها ثلاثة أنواع: - القافية المرسلة: وهي الخالية من حرف الروي. ويرى الشاعر المغربي أحمد المجاطي أن هذه الظاهرة قديمة، تنتمي إلى القرن الرابع الهجري مع ابن دريد، وعلى الأقل عرفت قبل ظهور حركة الشعر المعاصر مع علي أحمد باكثير . - القافية المتتابعة : وفيها يتوالى الروي على سطرين أو ثلاثة أسطر ثم ينتقل الشاعر إلى روي آخر ليفعل معه ما فعله مع الروي الأول أو ما يقارب ذلك .ويشير الباحث المذكور آنفا كذلك إلى ظاهرة الجمع بين القافية المتتابعة والقافية المتناوبة التي يمكن أن نجدها في المقطع الواحد أو في القصيدة الواحدة . - القافية المركبة : وهي في نظر أحمد المجاطي -حسب ما صرح به الناقد عبد الجبار العلمي- " أنجح أنواع التقفية في الشعر الحديث، حيث يبدأ الشاعر بقافية ثم يتركها ليعود إليها ، ثم تظل تتردد هنا وهناك إلى أن يجعل منها خاتمة القصيدة وقد أوضح الباحث أن لهذه القافية وظيفة فنية تتمثل في كونها تارة تستجيب لتوقع المتلقي وتارة أخرى تخرق أفق توقعه ، وبذلك تحقق له المتعة الفنية ، التي هي إحدى أهم وظائف العمل الفني . خامسا: وظائف القافية وفي شأن وظائف القافية يقول الدكتور ثائر العذاري أن الوظائف تتحدد أساسا في وظيفتين اثنتين هما: - دلالتها على نهاية البيت أو السطر الشعري؛ - ودورها في ربط أبيات القصيد فيما بينها؛ إلا أنه أضاف إليهما وظيفة ثالثة سماها ب: - الوظيفة الدلالية، وهي وظيفة أعتقد أنها كذلك؛ بحكم ما تحمله ورويها من إيحاءات قد تتعالق ونفسية صاحب القصيدة أو الشاعر. لكنني أرى أن للقافية وظائف أخرى لاتقل أهمية عما ذكر، منها: - الوظيفة الإيقاعية التي لايمكن للقصيدة الشعرية سواء القديمة منها أم الحديثة أن تستغني عنها في خلق نغمة موسيقية، على اعتبار أن هذه الأخيرة تعد مدخلا للولوج إلى فهم البنية والدلالة. - فضلا عن الوظيفة التعيينية التي تعين نوع الروي منذ البيت الأول، خاصة إن توافق عروضه بضربه في طبيعة القافية أو بالأحرى الروي وهذا ما يسمى في عرف العروضيين بالتصريع. ثم إن أهمية القافية تتضح أكثر حين تسمى القصيدة باسمها، حتى نجد من يقول: لامية الفخر للبارودي، ونونية عمرو بن كلثوم وميمية المتنبي وهكذا.... - أما الوظيفة الجمالية أو التزيينية فوظيفة تحمل في معنى اسمها طبيعة الأدوار التي تقوم بها داخل القصيدة. حيث تجمل وتزين شكل القصيدة لتضفي على المضمون خصوصية تتباين بين قصيدة وأخرى. سادسا: عيوب القافية على الرغم مما رصده علماء العروض من قواعد وضوابط تقنن دور القافية داخل القصيد العربي في كل أزمانه، إلا أنهم مع استقرائهم هذا ضبطوا أيضا مجموعة من العيوب تمثل خروجا للقافية على القواعد المعيارية التي انتهوا إليها. ومن أهم هذه العيوب استنادا إلى كتاب:"علم العروض وتطبيقاته" للدكتور محمد مصطفى أبو شوارب، نذكر: - الإقواء: وهو اختلاف حركة حرف الروي (المجرى) في قصيدة واحدة بالكسر والضم، أن تجيء الحركة مرة على هيأة الضم ومرة على هيأة الكسر. كما هو الشأن في قول النابغة: زعم البوارج أن رحلتنا غدا == وبذاك خبرنا الغداف الأسودُ لامرحبا بغد و لا أهلا به == إن كان تفريق الأحبة في غدِ - الإصراف: وهو فرع من الإقواء، خاصة إذا اختلفت حركة الروي (المجرى) في قصيدة واحدة بين الفتح والضم. لا الكسر والضم. وهي تسمية تبناها أبو العلاء المعري. ولعل هذا التعدد في وصف الشيء الواحد والموقف الواحد ذي المضمون الواحد لمما يزيد من تعميق الهوة وإخلال الفهم لدى القارئ. وأظنه "إسراف" وليس "إصراف". - الإكفاء: والإكفاء هو اختلاف حرف الروي في قصيدة واحدة، ويقع غالبا في الحروف المتقاربة المخارج، كقول الشاعر: قُبِّحت من سالفة ومن صُدُغْ كأنها كُشْية ضبّ في صُقُعْ - الإجازة: والإجازة كالإكفاء، والفرق كائن في تقارب حروف الروي وتباعدها في المخرج. - السناد: وفي العرف اللغوي نجد أن السناد هو الاختلاف وعدم الائتلاف. وفي ما تواضع عليه الاصطلاحيون أن السناد هو مجموعة من العيوب تتعلق بحروف وحركات ما قبل الروي. وهي خمسة عيوب: 1- سناد الردف: وهو التغيير المتعلق بحرف الردف ذاته، حيث قال العروضيون إن سناد الردف هو أن يجيء بيت مردوفا وبيت غير مردوف. كما في قول عبد الله بن معاوية ابن جعفر: إذا كنت في حاجة مرسلا == فأرسل حكيما ولا توصهِ وإن باب أمر عليك التوى == فشاور لبيبا و لا تعصهِ 2- سناد التأسيس: وهو أن يتعاقب ألف التأسيس في القصيدة بين الوجود والعدم، أي بين أن تجد البيت مؤسسا والبيت الموالي غير ذاك. 3- سناد الحذو: إذ هو التغيير المتعلق بحركة ما قبل الردف، والردف كما نعلم حرف مد وقع قبل الروي مباشرة. لذا عرفوا سناد الحذو بقولهم: هو أن تكون الحركة ضمة مع فتحة، أو كسرة مع فتحة. كما الحروف المشكَّلة في كلمات : "وينحنِينا" و"غضُونا" و"جرَينا" على التوالي في إحدى نونيات عمرو بن كلثوم. 4- سناد التوجيه: هو التغيير المتعلق بحركة ما قبل الروي المقيد. 5- سناد الإشباع: وهو التغيير المتعلق بحركة الدخيل، أي أن تكون حركة الدخيل ضمة أو كسرة، وتكون فتحة في بيت آخر. كقول الشاعر: يا نخل ذات السدر والجراوِل تطاولي ما شئت أن تطاوَلي والاختلاف هنا بين كسرة الواو في الجراول وفتحة الواو في تطاولي.وللتذكير فإن الدخيل هو الحرف الواقع بين الروي وألف التأسيس. - التحديد وقيل التحريد: والتحديد أو التحريد اختلاف أضرب الشعر، بين فعِلن في ضرب المديد إذا وقع معها فَعْلُن مثلا، وكذا فعِلُن مع فعْلُن في البسيط التام. - الإيطاء: أما الإيطاء فهو أن تتكرر القافية في القصيدة الواحدة بمعنى واحد، وإن كانا بمعنيين لم يكن إيطاءً. وللتمثيل على عيب الإيطاء أدرج أبو شوارب بيتين مختلفين من حيث موقعُهما داخل القصيدة وهما للنابغة: أواضع البيت في سوداء مظلمة == تقيد العير لا يسري بها الساري لايخفض الرِّزَّ عن أرض ألم بها == و لايضل على مصباحه الساري - التضمين: هو أن يبقى معنى البيت معلقا بمعنى البيت الذي يليه، فلا يتم الأول إلا بوجود الثاني كقول النابغة: وهم وردوا الجفار على تميم == وهم أصحاب يوم عكاظ إني شهدت لهم موارد صادقات == شهدن لهم بصدق الود مني وهذا مما كان شائعا في التراث الشعري القديم، لكن أحفاد الشعر المعاصر علقوه تعليقا، بل ورفضوه حتى لا يطأ معنى القصيدة وبؤرتها الدلالية. سابعا: نظام القافية في الشعر الحديث إن أهم ما حققه شعراء النزعة الذاتية أن ربطوا القافية بالمعاني الجزئية داخل قصائدهم. ولو ربطوها بالموضوع الموحد للزمهم الحفاظ عليها وعلى وحدتها كما صرح به أحمد المعداوي في كتابه ظاهرة الشعر الحديث. لذلك فإن من أول أهداف حركة الشعر الحر تفتيت الوحدة الموسيقية القديمة التي تتمثل في نظام البيت وتعويضه بنظام القصيدة. - تفتيت نظام البيت: إن مسألة تفتيت البيت الشعري وإخضاعه طولا وقصرا لحركة المشاعر والأفكار، لمما تُوجب النظر في صيغة توارد حرف الروي وضرورة إيقافه لحظة إطلاق العنان للدفقة الشعورية للشاعر العربي الحديث الذي لم يعترف ولن يعترف بالحدود ولا بالقيود التي كبلته بها نظم القافية بالمفهوم القديم. إلا أن الذي ينبغي الإشارة إليه أن هذه الحرية لم تلغ النظام القائم ولم تخلق في ذاته وقوامه خللا معيبا. لذلك أضحت القافية في زمن هذا الشعر الحر وقفة اختيارية لا إجبارية، وحلت المشاعر والأحاسيس محل الماديات والموضوعات. ولاريب أن تسمى الوقفة هنا وقفة عروضية لا دلالية كما يتضح لك ذلك في السطور التالية لفواز عيد من قصيدته "الكلدان في المنفى": أقدام طبول وحشيهْ هاها ... عادوا تتلفت بابل كالحبلى فأول ما يلفت الانتباه في السطور الثلاثة غياب حرف الروي. وغيابه لايعني غياب الإيقاع أو الوقفة، بل حضورها وإن لم يظهر ماديا فعروضيا كائن وتام، حتى إذا قطعتها وجدتها على النحو التالي: شييه - عادو - حبلى \0\0 - \0\0 - \0\0 فعلن - فعلن - فعلن - القافية واختلاف أضرب القصيدة: إن اختلاف أضرب القصيدة لمن شأنه ظاهريا أن يخلخل نظام الإيقاع والموسيقى فيها. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمعداوي حين أثبت من خلال مقطع شعري لفدوى طوقان والذي التبس على نازك الملائكة حينما قالت إنه يحتوي على خطإ في القافية، وهو في الحقيقة غير ذلك. إذ اعتبرت أن : مستفعلان و فعول هما ضربا المقطع الذي تقول فيه طوقان: كانت سرابا في سراب --- مستفعلان كانت بلا لون، بلا مذاق--- فعول واستنادا إلى حد القافية كما هو متعارف عليه عند علماء العروض، فإن القافية في المقطع هي: "راب" و "ذاق" على التوالي، وليس "باً في سراب"و"مذاق" كما كانت تتوهم نازك الملائكة. - الجملة الشعرية: إن أهم ما يمكن أن يقال في هذه النقطة، كون الجملة الشعرية جملتان: جملة طويلة وأخرى متوسطة؛ وكلتاهما تتحكم فيهما الدفقة الشعورية التي تمتد فيهما امتدادا يشعرك بانتهاء الجملة. فإن كانت طويلة فيكفي الشاعر أن يبث في صلبها بعض الوقفات التي تضيف إلى موسيقى الوزن موسيقى أخرى، يشيعها –حسب المعداوي- الصمت الذي يحدثه التوقف بين الحين والحين من خلال علامات الترقيم. يبقى القول في النهاية،من أن هذا البحث ما هو إلا إطلالة موجزة جدا عما جادت به قرائح وأقلام فحول العروض واللغة حول مفهوم القافية كعنصر إيقاعي يحقق نوعا من التوازن والتوازي في بنية القصيدة العربية في كل أزمنتها. | |
|