لا شك أن خسارة الوطن لشبابه الذين هم عماد الأمة ومستقبلها ومعقد آمالها، لا تعادلها خسارة، فالدول الناضجة تبني خططها الطموحة من خلال الاهتمام بتنمية شبابها فتخصص من ميزانيتها ومداخيلها القومية لتنمية هؤلاء الشباب أكثر مما تخصصه لإقامة المنشآت الخرسانية والمرافق الجمالية ومجالات التنمية الأخرى. لكن ماذا لو تحول جزء كبير من هؤلاء الشباب إلى جيش من المعاقين والعاجزين بسبب العاهات الناتجة عن الحوادث المرورية، عندها تصبح الأمور أكثر من مأساة؟
فالأرقام الفلكية لعدد حوادث المرور، أكثر من نصف مليون حادث، في سنة واحدة فقط، نتج عنها اكثر من 62 ألف قتيل ـ وهو عدد يكفي لتحرير القدس ـ يعطي مؤشراً واضحاً بأننا نستنزف مواردنا المادية والبشرية من دون أن نعي. ومما يزيد في أسفنا، أنه كان بالإمكان المحافظة على هذه الموارد أو على الأقل التقليل من هدرها لو أوليناها من الاهتمام ما يكفي.
لقد ذكرت في بداية كلامي الشباب، رغم أن الحوادث المرورية لها ضحاياها من جميع الفئات والأعمار، غير أن الشباب لعلمي وبعد مشاهداتي كان للأسف اكثر ضحايا هذه الحوادث، وذلك لسبب بسيط هو أن الشباب هم من يصنع اكثر هذه الحوادث، كما انهم اكثر ضحاياها، ولا شك أن ضخامة الاحصاءات الصادرة عن الادارة العامة للمرور ، تشير إلى وجود خلل ما يستلزم من الجميع مناقشة جادة وعلى أعلى المستويات و أنا ا سميهابـ «حرب الشوارع»، وهي تسمية صحيحة، وإن كانت غير دقيقة أو كافية، فالبعد الحقيقي الناتج عن مآسي هذه الحوادث أكبر من وصفها بحرب الشوارع، فهي حرب بلا أعداء وبلا انتصار، والجميع اخوة والجميع خاسرون. المهم أنه
يجب وضع حل لهذه المشكلة، غير أن اختزال حل هذه المشكلة في جهود مدير عام المرور ويجب ما يأتي:
أولا: ان يتم الاهتمام مبكرا بتنشئة الأجيال على أصول السلامة المرورية وخطورة الحوادث المرورية، وذلك من خلال حصة أسبوعية كحصة نشاط مدرسي لكل صف من الصفوف الابتدائية المبكرة بالتعاون مع ادارات المرور، على أن يتم تكثيف جرعة الوعي بخطورة حوادث المرور للصفوف الابتدائية العليا وحتى الصف الثانوي، مرورا بالمرحلة المتوسطة، وذلك من خلال تنظيم زيارات لضحايا حوادث المرور في المستشفيات وزيارة معارض المرور ومضاعفة عدد حصص السلامة المرورية.
ثانيا: يجب الضرب بشدة وحزم على أيدي مرتكبي المخالفات المرورية، خاصة تلك المخالفات القاتلة مثل قطع الإشارة أو السرعة العالية داخل المدن.
ثالثا: تشجيع السائقين الملتزمين بأصول السلامة المرورية الذين لم تسجل ضدهم مخالفات مرورية أو لم يتسببوا في وقوع حوادث من أي نوع طيلة مدة صلاحية رخصهم القيادية، وذلك بخصم نسبة معينة من قيمة رسوم تجديد رخص القيادة.
رابعا: الإعلام له دور مهم في هذا المجال، فاستمرار التنبيه على خطورة الحوادث وأهمية التمسك والالتزام بأصول السلامة، يجب أن يمتد إلى جميع وسائل الإعلام المختلفة، وأن يستمر طوال العام وإلى أن ترتفع درجة الوعي لدى المواطن أو المقيم بأهمية السلامة المرورية، ولا يكفي الوقت المستقطع كأسبوع المرور لمعالجة موضوع مهم وحيوي كنظام السلامة المرورية.
وهذا برأيي وباختصار أبرز النقاط التي يمكن أن تساهم في حل مشكلة المرور في بلدي خاصة، وربما في وطني العربي الكبير عامة، التي يمكن أن تقلل الحوادث المؤلمة التي ما زالت تفجعنا يوما بعد يوم بينما المجتمع يدفع الثمن.