إحتار المتخصصون في تفسير ظاهرة الشعر تفسيراً حاسماً وتحديد تعريف جامع لوصفها يصطلح عليه الجميع ويركنون اليه كتعريفٍ حاسمٍ لماهية الشعر وحقيقته حتى الشعراء أنفسهم فشلوا في ذالك رغم تمخض الشعر عنهم ذلك لأن الشعر وليد النفس الإنسانية ذاتها.
لذا فإن كل التعريفات والفلسفات التي قيلت عنه ما هي الا مفاهيم فردية تصور وجهة النظر الشخصية لصاحبها وهي في مجملها رغم تباينها لا تتعدى في الواقع السطح لحقيقة الشعر وماهيته أما باطنه وكنهه فلا يزال في مجاهل الغيب وما سوف اورد هنا من تعريفات ما هي إلا آراء لكوكبة من الأدباء والشعراء وقفت عليها من خلال قراءتي المحدودة في بعض الكتب الأدبية ما يلي:
الشعر: في ما هيته الحقيقة تعبير إنساني فردي يتمدد ظله الوارف في الإتجاهات الأربعة ليشمل الإنسانية بعموميتها...
د.إحسان عباس
الشعر: ظاهر إنسانية لا يحد بدايتها تاريخ معين ولعلها وجدت منذ وجد الإنسان على ظهر البسيطة وهو مرآة تعكس الحياة بكل ما فيها من مفارقات ومتناقضات وهو تعبير عن إحساس وخلجات النفس تجاه موثر خارجي إستنبطه الشاعر فأثر عاطفته واصطبغ بوجدانه...
عبد الله بن إدريس
الشعر: لغة الخيال والعواطف له صلة وثقى بكل ما يسعد ويمنح البهجة والمتعة السريعة أو الألم العميق للعقل البشري إنه اللغة العالية التي يتمسك بها القلب طبعياً مع ما يملكه من إحساس عميق...
عبد الله الحقيل
الشعر: هو تلك الكلمة الجميلة النابضة بالحياة التي تكشف أمام الآخرين وتكشف الآخرين أمامك وتعتريك منها هزة مشوبة بلذة ونشوة لا شبيه لها والشعر هو أن تُعبر من واقعك إلى نفسك إلى داخلك عبر جسر جميل من الكلمات الموزونة فتجد نفسك بحسناتها وسيئاتها الموروثة والمكتسبة في قليل من الكلمات المتجاورة ونسق يطربك نغمة ويشجيك جماله ويذهلك صدقه والشعر والجمال شقيقان لا ينفصلان كما أن الشعر شكل ومضمون وهما كذالك لا ينفصلان عن بعضهما فما شي واحد والشعر تعبير والتعبير لا ينفصل عن التفكير والتفكير ضرورة تحتمها المنطقية الفنية لا منطق الشعوذة الحدائية العبثية والشعر موقف والموقف خارجي وداخلي في آن معا فالحدث الخارجي يقابله تفاعل داخلي والتعبير ينقل لنا الحالتين في وقت واحد والحالة الداخلية هي العاطفة ونقل العاطفة وحدها ليس شعراً بل كما يقول النقاد...ان التأمل في تلك العاطفة والخروج من هذا التأمل بإبداع جديد هو الشعر...
عصور الشعر العربي
يذكر أهل الأدب أن أول أبيات قيلت في العرب هي ثلاثة أبيات نسبت إلى عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي ، قالها عندما أخرجتهم بنو غبشان من خزاعة و بنو بكر بن عبدمناة بن كنانة ، قبل حوالي ألفين عام من مكة ، و هاهي الأبيات :-
يا أيها الناس سيروا إن قصركم
أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
حثوا المطي و أرخو من أزمتها
قبل الممات و قضوا ما تقضونا
كنا أناس كما كنتم فغيرنا
دهر فانتم كما كنا تكونونا
روائع الشعر
إن الشعر له من الآن ما يقارب ألفين عام ، و العرب تنظم القوافي في كل مكان ، و عند كل أمر ، ففي الحرب تنظم القصائد و الملاحم ، قبلها و بعدها ، و في الحب و الغرام ، و في كل أمر يصيبهم ، فمن الصعب أن نحدد قصيده أو قصيدتين ، و نقول إنهن روائع الشعر ، و لكن من اجمل الشعر المعلقات العشر . افضل الشعراء
اختلف الناس كثيرا حول أقوى الشعراء ، فمنهم من قال أمرؤ القيس بن حجر ، و فضله على زهير بن أبي سلمى المزني ، و نقيض ذلك من قال زهير ، و اختلفوا كثيرا حتى استدلوا بحديث رسول الله ( امرؤ القيس يقدم بلواء الشعر إلى النار ) ، و قال من فضل زهير إنما قاله رسول الله لقدم امرؤ القيس في الشعر ، و لكن الأدباء المعاصرين قسموا الشعر إلى عصور و جعلوا لكل عصر افضل شعراء ، إلا الجاهلي لكثرة الشعراء فعددهم يفوق الآلاف ، أما الأموي و العباسي فمنهم معن بن اوس المزني، و العباسي المتنبي احمد بن الحسين و أبو تمام و البحتري.
العصر الجاهلي :
اجمع الأدباء على أن هذا العصر أمتد من قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بقرن ونصف .
و يمتاز الشعر في هذا العصر بأن يبدأ الشاعر بوصف الأطلال ، و من ثم يصف دابته ، و بعد ذلك يصف محبوبته قبل الدخول إلى الموضوع الرئيسي للقصيدة .
و من أشهر شعراء هذا العصر :
عنترة بن شداد :
هو عنترة بن عمرو بن شداد ، وشداد جده غلب على اسم أبيه ، وإنما أدعاه أبوه بعد الكبر وذلك أنه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من أمة أستعبده ، كان بعض أحياء العرب قد أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم وعنترة فيهم ، فقال له أبوه : كر يا عنترة ، قال : العبد لا يحسن الكر ، إنما يحسن الحلاب والصَّر، فقال : كر وأنت حر، فكرَّ وهو يقول :
أنا الهجين عنترة * كل امرئ يحمي حره
أسـودة وأحمرة * والواردات مشفـرة
فقاتل وأبلى واستنقذ ما كان بأيدي عدوهم من الغنيمة فادّعاه أبوه وألحق به نسبه وكان لا يقول من الشعر إلا بيتين أو ثلاثة حتى سابه رجل من بني عبس فرد عليه وافتخر بأفعاله في الغزوات والغارات .
و لعل من أشهر القصائد التي كتبها هي المعلقة التي قال فيها :
هـل غادر الشعراء من متردم أم هـل عرفت الدار بعد توهم
يـادار عـبلة بـالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي .
عصر صدر الإسلام :
ظهر هذا العصر بعد ظهور النبي – صلى الله عليه و سلم – و انتشار الإسلام .
و قد أثر هذا الإنتشار الواسع للإسلام في الشعر العربي حيث أن الشعراء أدخلوا الألفاظ التي تدل على الإسلام في أشعارهم ، و دافعوا عنه ، إلى أن أصبح الشعراء يجاهدون بأشعارهم .
و من أشهر شعراء هذا العصر :
حسان بن ثابت – شاعر الرسول - :
هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري جاهلي إسلامي متقدم الإسلام إلا أنه لم يشهد مع الرسول مشهداً عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة ومات في خلافة معاوية ، وشعره في الجاهلية أجود منه في الإسلام . كان يفد على ملوك الغساسنة بالشام ويمدحهم وكذلك ملوك الروم .
و من أشعاره التي يدافع فيها عن الإسلام و يهدد العدو :
عـدمنا خـيلنا ان لـم تروها تـثير الـنقع مـوعدها كداءُ
يـبارين الأعـنة مـصعدات عـلى أكـتافها الأسلُ الظماءُ
تـظـل جـيادنا مـتمطراتٍ تـلـطمهن بـالخمر الـنساءُ
فـإما تـعرضوا عنا اعتمرنا وكـان الفتح وانكشف الغطاءُ .
العصر الأموي :
لا يختلف الشعر في العصر الأموي كثيراً عن عصر صدر الإسلام ، و الشعر في العصرين يمتازان بنفس الأغراض الشعرية من مدح الإسلام و الرسول و ذم المعادين لهم ، ألا أن في العصر الأموي ظهر الفخر الفردي و القبلي ، و ظهر الهجاء و برعوا فيه ، و قد أدى ذلك إلى منافسة شرسة بين ثلاثة شعراء و هم : جرير و الأخطل و الفرزدق ، و قد سموا بـ ( شعراء النقائض ) ، و كان كل منهم يهجوا الآخر ، و وصل الأمر إلى شتم القبائل و محو كرامتها .
و من أشهر شعراء هذا العصر :
جرير بن عطية الخطفي :
هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي من كليب بن يربوع وقد عاش نيفاً وثمانين سنة ومات باليمامة ، يكنى أبا حزرة،
وكان من شعراء النقائض إلا انه كان عفيفاً بعكس الفرزدق الذي كان فاسقاً .
ومع ذلك فقد رثاه قائلاً :
لـعمري لـقد أشجى تميماً وهدها عـلى نـكبات الدهر موت الفرزدق
عـشية راحـوا لـلفراق بـنعشه إلـى جدثٍ في هوة الأرض معمقِ
العصر العباسي :
وقد قسم الأدباء هذا العصر إلى قسمين ، العصر العباسي الأول و الثاني ، نظراً لطول هذا العصر ، حيث يمتد كل عصر إلى خمسة قرون .
و من أشهر شعراء هذا العصر :
أبو الطيب المتنبي :
هو أبو الطيب احمد بن الحسين الملقب بالمتنبي
وقد أجمع الكثير من الأدباء على انه من أعظم الشعراء ان لم يكن هو أشعرهم ، وقديما في عصره لقب بمالئ الدنيا وشاغل الناس بل وحتى عامة الناس عندما يقرأون شعره يلاحظون جزالته وقوته وقد أمضى حياته في طلب الولاية والمنصب فلم يتول ولاية ولم يتقلد منصباً لكنه خلف ديواناً فيه من عيون القصائد العربية الشئ الكثير وقتله فاتك الأسدي بسبب ان أبا الطيب كان قد هجاه وهجا قبيلته وهو كما قيل الشاعر الذي قتله لسانه
ولعل البيت الذي كان سبباً في إقدامة على مقاتلة فاتك رغم انه أراد أن ينجو بنفسه إلا عندما قيل له ألست أنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم .
و قال يفتخر بنفسه :
أَنـا الَّـذي نَظَرَ الأَعمَى إلى أَدَبي وأَسـمَعَتْ كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
أَنـامُ مِـلءَ جُـفُوفي عن شَوارِدِها ويَـسْهَرُ الخَلْق ُ جَرَّاها ويَختَصِمُ .
العصر الأندلسي :
بدأ هذا العصر بعد فتح الأندلس على يد طارق بن زياد ، و سكنوا المسلمون فيها ثمانية قرون ، و يعتبر هذا أطول فترة إستعمار في التاريخ ، و رأى المسلمون في الأندلس كل ماهو غريب و عجيب ، فقد رأوا الأراضي الخضراء و الجو المعتدل و استمتعوا بالهواء العليل ، بعدما كانوا في حر الصحراء و الأراض القاحلة الواسعة ، و قد أثر هذا التغير الكبير في شعرهم ، مما أدى إلى ظهور ( الموشحات ) ، و هو شعر غنائي ، و لعل من أشهر هذه الموشحات موشحة (جادك الغيث ) للسان الدين بن الخطيب .
و بعد أن استمتعوا المسلمون بجمال الأندلس ، تفرقوا و انقسموا إلى جماعات ، و أصبحت العواصم دولاً ، و كل دولة لها ملكها و جيشها ، و أصبحت الأندلس فريسة سهلة للدول المجاوره ، فقال الشاعر / أبو البقاء الرندي قصيدة يرثي فيها الأندلس و يصف حالها بعد تشتتها ، وحال المسلمين ، فقال :
لـكل شـيء إذامـاتم نـقصان فـلا يـغر بـطيب العيش إنسان
هـي الأمـور كماشاهدتها دول مـن سره زمـن سـاءته أزمـان
وهـذه الـدار لاتـبقى على أحد ولا يـدوم عـلى حـال لها شان
أين الملوك ذوي التيجان من يمن وأيـن مـنهم أكـاليل وتـيجان
وأيــن مـاشاده شـدادفي إرم وأين ماساسه في الفر س ساسان
وأيـن مـاحازه قارون من ذهب وأيـن عـاد وشـداد وقـحطان .
العصر الحديث :
بعد أن انتهى عصر الأندلس و سقوطها ، و مرور عصر الإنحطاط ، جاء أخيراً عصر الشعر الحديث ، و يتميز هذا العصر بسهولة الألفاظ و سهولة استيعاب الأفكار ، و من أشهر شعراء هذا العصر :
أحمد شوقي :
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة ، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.
و قد دافع أحمد شوقي عن المعلم ، عن طريق كتابته لقصيدة بعنوان ( حق المعلم ) و قال فيها :
قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولا
لأعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا؟
سـبـحانكَ اللهمَّ خـيـرُ مـعلّمٍ عـلَّمتَ بـالقلمِ الـقرونَ الأولى
أخـرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ وهـديتَهُ الـنورَ الـمبينَ سبيلا .
و من الشعراء المعاصرين :
الشاعر : عبدالرحمن العمشاوي .
شاعر عربي مسلم من المملكة العربية السعودية .. ولد في قرية عــراء في منطقة الباحة بجنوب المملكة عام 1956م وتلقى دراسته الابتدائية هناك وعندما أنهى دراسته الثانوية التحق بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ليتخرج منها 1397 للهجرة ثم نال على شهادة الماجستير عام 1403 للهجرة وبعدها حصل على شهادة الدكتوراة من قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي عام 1409 للهجرة ..
و رثا أهله عندما ماتوا في الحرب الأمريكية البريطانية على العرب و المسلمين ، فقال :
أبكي ، وماذا تنفَع العَبَراتُ وجميعُ أهلي بالقذائف ماتوا؟
ماتوا،وجيشُ المعتدين،قلوبُهم صخرٌ ، فلا نبْضٌ ولا خَلَََجاتُ
تحت الرُّكام أَنينُهم وصُراخُهم كم مزَّقتْ وجدانيَ الصَّرخاتُ.
قيمة الشعر
القيمة الفنية: وتشمل المعاني والاخيلة والعاطفة والموسيقى الشعرية.
القيمة التاريخية: كان الشعر ديوان العرب، ووسيلة نقل معاناة الناس وشكواها، فالشعر الجاهلي يعتبر وثيقة تاريخية بما يخص أحوال الجزيرة وأحوال العرب الاجتماعية .
خصائص الشعر
الخصائص العامة:
الصدق: كان الشاعر يعبر عما يشعر به حقيقة مما يختلج في نفسه بالرغم من أنه كان فيه المبالغة.
البساطة: إن الحياة الفطرية والبدوية تجعل الشخصية الإنسانية بسيطة، كذلك كان أثر ذلك على الشعر الجاهلي .
القول الجامع: كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامة ، فمثلا قالوا في امرئ القيس بقصيدته «قفا نبك» أنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد .
الإطالة: كان يحمد الشاعر الجاهلي أن يكون طويل النفس ، أي يطيل القصائد وأحيانا كان يخرج عن الموضوع الأساسي ، وهذا يسمى الاستطراد .
الخيال: هو أن اتساع أفق الصحراء قد يؤدي الى اتساع خيال الشاعر الجاهلي .
خصائص الألفظ والأساليب:
- جودة استعمال الألفاظ في معانيها الموضوعة له
- غلبة استعمال الألفاظ الجزلة القوية
- القصد والتقليل من استعمال ألفاظ المجاز
- كراهية استعمال الألفاظ الأجنبية إلا نادراً
- عدم التعمد في استخدام المحسنات البديعية (الجناس، المقابلة، المطابقة،...)
- متانة الأسلوب ووضوحه
- إيثار الإيجاز إلا إذا دعت الحال إلى الإطناب
خصائص المعاني والأفكار
- جلاء المعاني ومطابقتها للحقيقة
- قلة المبالغة بما يخرج عن حد العقل
- فطرية المعاني وبعدها عن التعميق
- عدم استقصاء الأفكار أو تحليلها إلى عناصرها
- قلة المعاني الغريبة
- البعد عن التأنق في تريتيب الأفكار والمعاني
- تشابه الأفكار – لتسابه البيئة
خصائص الأَخِيلة والصور
- غلبة البيئة البدوية في الصور
- بعيد عن التعمق، سطحي، قريب
- الاعتماد على الملاحظة الدقيقة وغير الدقيقة
- أكثره حسي يبين الحركة واللون والشكل
- أساسه التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل
بنية القصيدة الجاهلية:
وتعرف أيضاً بعمود الشعر العربي: تبدأ القصيدة الجاهلية بالمقدمة الطللية وفيها وقوف على الأطلال ووصف للآثار الباقية بعد خلو الديار من أهلها، وينتقل الشاعر إلى وصف الرحلة وعناء السفر ومعالم الطريق ووحوش الصحراء وحيوانها وغيرها. ثم ينتقل إلى الغزل أو النسيب فذكر المحبوبة والتغني بحسنها وجمالها وقد يذكر بعضا من المواقف والمغامرات مع المحبوبة كما فعل امرؤ القيس في المعلقة. وينتقل بعد هذه المقدمات الطويلة إلى الغرض الأساس في القصيدة وقد يكون المديح أو الهجاء أو الفخر والحماسة وانتصار لشرف القبيلة وما إلى ذلك.
فنون الشعر الجاهلي، أو أغراضه:
1) الغزل: يكاد الغزل يفوز بالنصيب الأوفى بين سائر الأغراض الأخرى، ذلك أنه أعلق الفنون الشعرية بالأفئدة، وأقربها إلى النفوس. وفي موضوع الغزل، هناك أربعة ألفاظ تتقارب في مفهومها، وهي: الغزل، والتغزل، والنسيب، والتشبيب. ومن أبرز سمات الغزل عند الجاهليين، ظاهرة التعلق بالمرأة والسعي إلى مودتها، ووصف مفاتنها الجسدية. وإمام الشعراء في ذلك هو امرؤ القيس، الذي قضى شبابه في اللهو والشراب. وأشعاره، ولاسيما معلقته، صُوَرٌ وحكايات لما كان بينه وبين النساء.
وقد ينصرف الشاعر في غزله إلى التغني بفضائل المرأة وذكر مناقبها وكريم سجاياها، وعفتها، ولا سيما عند وقوفه على الأطلال توخياً لتهيئة الأذهان وشد الأسماع قبل الوصول إلى غرضه الأساسي.
2) المديح:
قام المديح مقام السجل الشعري لنواح كثيرة من حياة الأعلام، ملوكاً، وسادة، وأجواداً، وكان يمتزج غالباً بالإسراف والمبالغة، ويختلط فيه الواقع بالخيال، والعقل بالعاطفة والحق بالباطل. ولذلك ينبغي أن يقف الباحث من شعر المدح موقف الحذر والنقد والتمحيص، وألا يأخذه على أنه صدق لا كذب فيه، أو حقيقة لا يشوبها الشك.
وقد سلك الشعراء المدَّاحون في العصر الجاهلي طريقين، أحدهما أو كليهما، الأول هو طريق التكسب والاحتراف. وقد انحرف الشعر إلى هذا الميدان على يد النابغة الذبياني، الذي سن للشعراء سنة المديح الرسمي - في تنقله بين قصور المناذرة والغساسنة - ومدح ملوكهم، كما سخر شعره لكل من يجود عليه. الأعشى ليسير على سنن النابغة في المديح، بل إنه أسرف في المسألة والتكسب، فأصبح يمدح كل من أعطى، ويشكر بشعره كلَّ من أكرم، حتى يخرج عن حدود التصديق.
أما الطريق الثاني: فهو طريق الإعجاب والشعور الصادق. والشعر هنا يصدر - فيما يقول - عن حب عميق، وإحساس نقي. وحامل لواء هذا الشعر هو زهير ابن أبي سلمى، الذي سخر شعره لكل من قام بإصلاح ذات البين، أو صنع مَأْثُرة[3] كريمة.
3) الفخر: وهو المباهاة حيث كان الشاعر يفتخر بقومه وبنفسه وشرف النسب وكذا بالشجاعة والكرم، وما يتصل به من التغني بالبطولات وشن الغارات، وتمجيد الانتصارات، وكثرة العدد والعدة، ومنازلة الأقران، ونجدة الصريخ، والحفاظ على الشرف والجار، وغيره.
وهذا الفخر يكون قبلياً تارة، ومن خير ما يمثل هذا الفخر القبلي الحماسي معلقة عمر بن كلثوم التغلبي، التي سجل فيها انتصارات قبيلته، ومنعتها، وما يتحلى به أفرادها من شجاعة وإقدام، وسطوة وهيبة وأنفة وإباء.
ويكون الفخر تارة أخرى ذاتياً ينبعث من نفوس تهوى العزة والمجد، وتحرص على بناء المكارم، والتباهي بمآثرها الفردية، ويبدو هذا الفخر الذاتي لدى طائفة من الشعراء الفرسان والأجواد، كعنترة، وحاتم الطائي، وعمرو بن الإطنابة، والشعراء الصعاليك كالشنفرى، وتأبط شراً. وفي معلقات طرفة بن العبد، ولبيد بن ربيعة، وعنترة بن شداد، صور كثيرة من هذا الفخر الفردي.
4) الرثاء: يلتقي الرثاء والمديح في أنهما كليهما إشادة بالمرء وإعلاء شأنه، لكن الأول إشادة بالميت وخصاله، والثاني إشادة بالحي. ويمتاز الرثاء أيضاً بأنه فن شعري ثابت المعاني والهدف، لأنه يعبر في معظم أحواله عن انفعال وجداني، وشعور عميق بالحزن والألم، حين تفقد الأسرة أو القبيلة، عزيزاً فيغمرهم الحزن وتتحرك الشاعرية لتعبر عن الأسى المشترك، وقد يصحب تعداد شمائل الميت، والبكاء عليه، أخذ بأسباب العزاء فيه، ودعوة إلى الصبر على حدثان الدهر، لأن الدنيا دار فراق وزوال، لا دار خلود وبقاء، وليس أمام الإنسان سوى الاستسلام للأقدار، والقبول بالقضاء.
هذه المعاني والأفكار، في جملتها تتردد في أشعار الرثاء عند الجاهليين. وقد اشتهر عدد من الشعراء بهذا الفن في العصر الجاهلي، منهم: المهلهل بن ربيعة، ودريد بن الصمة، وأعشى باهلة، ولبيد، وطفيل الغنوي، وأوس بن حجر، وأبو دواد الإيادي. كما عرف كثير من النساء بإجادة هذا الفن الشعري والنبوغ فيه، كالخنساء، وجليلة زوجة كليب، وسعدى بنت الشمردل.
5) الهجاء: حظ هذا الفن في الشعر الجاهلي قليل؛ إذا قيس إلى الفخر أو الغزل مثلاً؛ ولكن أثره كبير في النفوس، ووقعه أليم في الأفئدة، لأنه يقوم على إذلال المهجو، وتجريده من الفضائل والمثل التي يفتخر بها القوم. فالكرم، مثلاً، فضيلة لديهم، وفي مقابله تكون نقيصة البخل والشح، والشجاعة ضدّها الجُبن. وهكذا.
ومن صور الهجاء ما هو في مجال الحروب والغزوات: كالجبن، والفرار عند اللقاء، والوقوع في الأسر، ودفع الفدية، ومنها ما هو في حيز العلاقات الاجتماعية، والنقائص النفسية: كالبخل، والاعتداء على الجار، واللؤم، والغدر، وغيره. والهجاء عندهم على ضربين: هجاء فردي، وآخر جماعي يتجه إلى القبيلة نفسها وقد يجمع الشاعر بينهما.
6) الحكمة: الحكمة قديمة في أشعار الجاهليين، وحكمهم مستمدة من بيئتهم التي عاشوا في كنفها، حرباً وسلماً، وعلاقات وعادات، وأخلاقاً وسجايا.. وهذه الحكم صدى لصفاء الفطرة، ودقة الإحساس، وغنى التجارب، والقدرة على استخلاص العبرة من الحوادث. وتعد المعلقات أوضح الأمثلة للقصائد التي تحفل بالحكم، على تنوع موضوعاتها وأغراضها.
7) الوصف: الوصف يغلب على أبواب الشعر جميعاً، فهو باب واسع، يشمل كل ما يقع تحت الحواس من ظواهر طبيعية، حية وصامتة. وهكذا كان عند شعراء العصر الجاهلي الذين عايشوا الصحراء في حلهم وترحالهم، وألفوا القفار الموحشة، وما فيها من جبال ووديان ومياه وحيوانات أليفة وغير أليفة، فوصفوا ذلك كله لأنه وثيق الصلة بحياتهم وتقلباتهم.
وكانت الناقة صاحبة الشاعر في جوبه لتلك الفيافي والمفاوز، لذلك أكثر فيها القول، والفرس هو الحيوان الثاني الذي يرافق الشاعر الجاهلي، وقد عني العرب بالخيول الأصيلة، واتخذوا لها أسماء خاصة، وحفظوا أنسابها أيضاً، كما وصفوا ضروب الحيوان الأخرى في بيئتهم ولاسيما الثور الوحشي، والبقرة الوحشية، ثم يأتي بعده الهر، والديك، والحية، والذئب، والنعامة، والغراب.
وكذلك وصف الشعراء الجاهليون مظاهر الطبيعة حولهم كالليل، والسحاب، والرعد، والبرق، ووصفوا كذلك الخمر ومجالس الشرب واللهو والحرب وأسلحتها المختلفة. وهذا كله يدل على عناية أولئك الشعراء وغيرهم بوصف كل ما يحيط بهم وصفاً دقيقاً، في بساطة وجمال، وصدق في التعبير عن المشاعر والإحساسات، وتعاطف مع الحيوان عامة، بوساوسه وحذره وجرأته. معتمدين على القالب القصصي في كثير من الأحيان، وعلى التشبيه وسيلة للأداء والتصوير.
المصادرالمعتمدة
كتاب / تاريخ الشعر العربي حتى القرن الثالث هجري
لمؤلفه/ محمد نجيب البهبيتي
كتاب/ تطور الشعر العربي
اسم المؤلف /د . حلمي محمد القاعود